الأفضلية يصنعها أهل المرؤات |
بات واضحاً أن مستقبل البلدان الواعية يصنعه الرجال الأوفياء لشعوبهم، فالشهامة والنخوة والوطنية والحمية والمروءة، هي الخصال التي يتحلى بها الرجال، الذين رفعوا هامات شعوبهم، وحققوا لهم النهوض والرقي والتقدم المعزز بالانتصارات المؤزرة، أما الخصال القبيحة المقرونة بالهزائم والعثرات والتراجعات، فلا يحملها إلا الذين فقدوا مروءتهم، وتنازلوا عن حقوق شعوبهم، وتخلو عن إنسانيتهم.
في التاريخ الحديث أفواج وأفواج من الزعماء والحكام والقادة الشرفاء، الذين عشقوا شعوبهم، فكافحوا وناضلوا، وضحوا بأنفسهم من أجل أوطانهم. زعماء أفنوا أعمارهم في سبيل الارتقاء ببلدانهم، فسجلوا أروع المواقف الحضارية، ونشروا مبادئ العدل والإنسانية، وأشاعوا المحبة والتسامح، وحرصوا أشد الحرص على ضمان أمن شعوبهم وسعادتهم واستقرارهم.
هذه ألمانيا التي خرجت مدحورة مهزومة في اربعينيات القرن الماضي، والتي وحدت أرضها المنقسمة بين شطرها الشرقي وشطرها الغربي، صارت هي التي تفتح منافذها الحدودية لاستقبال الهاربين والفارين والنازحين من العراق، وهي الملاذ الآمن لهذه الهجرة الجماعية، المؤلفة من العراقيين الذي جازفوا بأرواحهم، فعبروا البحر بزوارق مطاطية لا تتوفر فيها أبسط شروط السلامة.
هجرة جماعية صنعتها عوامل مشتركة، لا أول لها ولا آخر. كارثة حقيقية لم يكترث لها زعماء العراق، الذين اختاروا الوقوف على التل. بينما خرج البرلمانيون الألمان بنسائهم ورجالهم، وتوجهوا نحو ساحل البحر، وعلى وجه التحدي إلى الشواطئ التي تناثرت فوقها جثث أطفال العراق ونساء العراق وشيوخ العراق، ثم توجهوا نحو الزوارق المطاطية والأرماث الخشبية التي عبروا بها البحر، فحملها الألمان وأعدوها ثانية إلى الماء، ثم قرروا ركوبها والابحار بها في مواجهة الأمواج العاتية، لكي يتعايشوا مع الظروف القاهرة التي واجهها العراقيون أثناء عبورهم البحر، ولكي يكتشفوا بأنفسهم حجم العذاب والخوف والإرهاق الذي رافق رحلتهم الشاقة.
كنت اتمنى على زعماء العراق وقادته الجدد أن يعملوا على الطريقة الألمانية التي ابتكرتها (ميركل)، أو على الطريقة الهندية التي ابتكرها (غاندي)، فيتحسسوا آلامنا ومصائبنا، ويتعايشوا مع ظروفنا القاسية. كم تمنيت أن يراجعوا التاريخ مراجعة متمعنة، ليروا مصير الذين سبقوهم، ويستفيدوا من تجارب (غاندي) و(مارتن لوثر كنغ)، و(خوسيه موخيكة)، و(محمد علي جناح)، و(شارل ديغول)، و(الشيخ زايد)، و(سعد زغلول)، و(نيلسون مانديلا)، و(هوشي منه)، ولكي يعلموا أن الزعماء الأوفياء لأوطانهم كانوا يعيشون هواجس شعوبهم، ويتألمون لآلامهم، فقد سجل التاريخ أروع الصفحات عن الزعماء، الذين كانت نهاياتهم مشرفة، لكنه لم يرحم أشباه الزعماء، فكانت نهاياتهم بائسة ومهينة، ولم يعبأ بالذين تسببوا بضياع حقوق البلاد والعباد، أو الذين عرّضوا بلدانهم للمخاطر، وجلبوا لها الكوارث والخسائر. وهكذا كان مصير الطغاة والحشرات في مزابل التاريخ. وليعلم هؤلاء ومن كان على شاكلتهم. إن الله مع العراقيين كافة، وسينبثق عصر تاريخي جديد، تتوالد فيه أجيال حية، وتظهر فيه زعامات حقيقية تنصف العراق وأهله، وسيخرج من أرض المروءات زعماء رحماء وأوفياء لهذا البلد العظيم، يتعاملون معنا بمنتهى الأخلاق العالية، ويتفانون في خدمتنا، ويعملوا من أجل الحفاظ على مصالحنا، ويوفروا لنا الأمن والأمان.
|