سألني ابني سؤال وانأ أتابع نشرة الإخبار من التلفاز وارى الكوارث السياسية والبيئية والاجتماعية على إرجاء المعمورة السؤال كان بابا,,,,,,لماذا يطلق الشعراء على بلدنا بلد النخيل ......ولكني يا بابا في سفراتي معك لم أشاهد على ما يدل على هذه التسمية من واقع فعلى الطرق نخلات معدودات وكما أرى في منطقتنا كل يوم يقطعون نخلة او شجرة ليبنوا مكانها بيتا صغيرا على مساحة لا تتجاوز الخمسين متر مربع وحتى شارع النخيل في منطقتنا أصبحت نخلاتها مهملات,,,,,,,,
وقفت جليا عند السؤال سؤال يمثل رؤية جيل عن وطن كان يسمى وطن النخيل..........وسرح بي الخيال........
وانأ أحدثه إنه كان في العهد السومري وبداية تكوين القرى على سطح المعمورة عادة سومرية جميلة افتقدناها منذ أمد بعيد كان لكل إنسان عليه إن يزرع أربع نخلات على الأرض في مراحل حياته العمرية المختلفة.....
قال لي يا ابي ولماذا النخلة بالذات وليس غير شجرة.......
قلت له يا ولدي إن الله كرم هذه الأرض التي اسمها العراق والتي سميت من كثرة أنهارها وتعرقها بين الأرض مثل انتشار العروق في الجسم من أوردة وشرايين وكرمها أيضا بالنخلة لما لها من فوائد سأتطرق لها في خضم الحديث ولكل شعب شجرة يقدسونها ويجعلوها رمزا لهم وقد وصل بهم لحد عبادتها وتقديسها عند المصريين القدماء أشجار الجميز، وفي البلاد الاسكندينافية هي شجرة الدرداء، وفي الهند هي شجرة التين الهندي أو تين المعابد،والتي يقال إنّه عند جذعها وصل بوذا لعالم النور، وفي الصين كانت الغابة
المنتصبة هي مركز الإمبراطورية والعالم ....
وفي أفريقيا الشجرة المقدسة هي الكايلينا عند قبائل الدوجون والبالانزا عند قبائل البامبارا والآذي عند قبائل الدواهوم.
السنديان هي شجرة زيوس وكان يعتقد بأنّ الشجرة هي موطن الإله والكون كله.
ان العراق والسومريين كان يقدسون النخلة ويعتبرونها رمزهم ولذلك ترى صورتها حتى على العملة المعدنية التي احتفظ بها ونلعب بها معا (طرة كتبة) إي صورة وكتابة كما يقال بالفصحى والنخل فيها يظهر على هيئة امرأة ينتشر على أكتافها السعف كالأجنحة وهكذا هي النخلة كانوا يزرعونها عبر مراحل حياتهم.......
النخلة الأولى تزرعها العائلة عند ولادة الوليد وهو تعبير روحي إنا ولدنا من تراب ونعود إلى التراب وهو شكر من العائلة للأرض التي أجادت عليهم بالوليد وكان يعتقد بأنّهما توأمان يتقاسمان مصيراً واحداً لذا كان النخيل يحظى برعاية شديدة لأنّ ذبولها يعرض توأمها – الطفل – للخطر وهي صورة جدلية في النفس الإنسانية حول العطاء المتبادل إي رعاية الذرية من اجل مشروع مستقبلي في الكبر والشيخوخة لرد الجميل وان النخلة التي زرعها الأبوين تذكر الأبناء كيف كانوا مثلها فسيلة ثم أصبحت الان شجرة معطاء ولذلك يقول عنها عالم النفس الكبير كارل يونج:"إنّ صورة الشجرة لا تزال باقية كنمط أولي في اللاشعور الفردي والجمعي.وما من شك في أنها من أخصب الرموز وأكثرها حيوية وشمولا".
والنخلة الثانية .....يزرعها الانسان عندما يبلغ الحلم إن كان ذكرا أو أنثى انه معنى الخصب .....نعم الخصب هي درس تعليمي للجيل الجديد حول أهمية الحياة والأمل المرجو منها بالعطاء بالعمل الدؤوب والتعلم إن الحياة يجب إن نعيش فيها مثل النخيل وشموخه الدائم فالنخل له عطاء في مختلف الصور فهو مصد ريح يحافظ على النباتات الأصغر من المتقلبات الجوية وظروف المناخ كما من سعفه وكربه نصنع الأثاث والحطب والسلال وغيرها من المتطلبات المنزلية ومن ثمره اللذيذ فوائد جمة لا تحصى من غذاء جاهز وسهل إلى حلويات متعددة إلى دبس وعسل حلو المذاق والى خل نحفظ فيه المخللان وهو أول معقم للجروح ومنها خمر يذهب العقل ويسرح بالخيال إن الانسان يشبه النخلة بفوائده من كل أركان الحياة وحتى قلبها يستفاد منه وهو ما يسمى الجمار وهو لذيذ المذاق وله فوائد صحية وطبية .
النخلة الثالثة في حياة الانسان كان كل عروسين يذهبان إلى اقرب منطقة إلى النهر لزرع نخلتهم المشتركة وهم يراقبوها ويحتفلان حولها في كل سنة تمر من زواجهما تذكرهم ان حياتهم يجب إن تستمر وتقاوم المشاكل الحياتية من اجل الوظيفة المعطائية للأسرة من اجل ديمومة الحياة الإنسانية.
النخلة الرابعة هي تزرعها الأسرة عند وفاة احد إفرادها حتى تذكرهم إن الجسد المسجى في الأرض له امتدادات في الحياة بالفعل والأثر المتروك وان الحياة يجب إن تستمر والذكرى باقية مع انعكاسات أشعة الشمس على سعف النخيل لتصور على الأرض صورة الأحبة الذين ودعوا الحياة, وان السومريين يعتقدون بأنّ النخلة ملاذ للأرواح قبل تناسخها وان النخلة إذا نمت وأعطت ثمرا إن المتوفى في الجنان ولا يعذب.........
وحتى يا ولدي عندما كانوا يقطعون نخلة كانوا يقدمون نذرا للسماء أو الأرض عبارة عن كبش يذبحوه على أعتاب النخلة قبل إن يقطعوها وكانت النساء تشعل الشموع لمدة ثلاثة أيام متتالية بقربها خوفا من الغضب أو العقاب وكان قطع النخلة أو جزء منها يعاقب عليه بعقوبة واحدة فقط هي عقوبة : الموت ......
حتى أن شريعة حومورابي قننت عددا من موادها لحماية زراعة النخل وتعهده : فالمادة ال 59 من شريعة حمو رابي تنص على تغريم من يقطع نخلة واحدة بنصف من الفضة ( أي نحو نصف درهم ) ولابد أن تكون هذه الغرامة باهظة في ذلك العهد ، كما وجدت المواد ( 60 / 64 / و65 وكله خاصة بتنظيم زراعة وبيع وشراء وتلقيح النخيل )
أعرفت الان لماذا كان يسمون وطننا وطن النخيل...
قال لي يا ابي لنبداء من الان في إطلاق هذه المبادرة لو كل عراقي زرع نخلة حسب ما وصفت وقلت لتخلصنا من مشاكل بيئية متعددة قد تكون وسيلة أثرى من كل الخطب البيئية الصارخة.. للذود عن هذه الأرواح،الذي يعني ذوداً عن حاضر ومستقبل الإنسان.. على الأرض ونضفي جمالية على وطننا وانأ أريد إن ازرع نخلة في حديقتنا من يوم غد حتى يكون التصاقي بهذه الأرض أكثر وأكثر .......
فقلت نعم يا ولدي لتبتداء على بركة الله وكما قال رسول الإنسانية ومعلم البشرية أبو الزهراء صلوات الله عليه وعلى اله الأطهار وسلم ( أكرموا عمّتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم ) وايضا ( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ) ...........
ملاحظة.........النخيل لا يحتاج للسقي في بغداد لان المياه الجوفية السطحية اقرب مما نتصور.
|