الفاشلون !

 

لست متيقنا مما أسمعه بين الحين والحين عن تشكيل حكومة اغلبية ، ولا اظن ان احدا من العراقيين يعرف الكثير عن هذه القضية ، حتى السيد رئيس الوزراء نفسه لا يعرف ، لان خياراته ما زالت بعيدة عن متناول يديه. ودعوني اقول إنني لست متيقنا من أن الحديث عن حكومة الاكثرية هو لون من الوان التهديد الموجه للقوى السياسية المنضوية في حكومة الشراكة الوطنية والضغط عليها ، أو تأكيد فشل تجربة الشراكة الوطنية ، او اطلاق بالون بانتظار أن يحلق أو ينفجر أو يفرغ هواءه الساخن ويعود الى مستودعه.

السياسة العراقية تنتقل من عدم اليقين الى اليأس ، من التهديد الى اعمال تآمر تبدأ بجمع الحيثيات الصغيرة ، ثم تواصل جمعها حتى تصبح هي القضية الاساسية في السياسة. ولعلنا نتذكر ان كل الملفات التي كبرت بهدوء في ادراج السيد رئيس الوزراء هي من هذا القبيل ، والتي بسبب ماضيها التراكمي ، وظهورها العلني المفاجئ ، تبدو غير معقولة حتى لو كانت حقيقية .

لم تطرح قضية تشكيل حكومة اكثرية البارحة ، والتشخيص المقترن بها ، والقائل إن حكومة الشراكة الوطنية ثبت فشلها هو من الماضي كذلك . إن بعض التشخيصات لكي تتحول الى مشاريع تحتاج الى ان تدور اكثر من دورة ، لكن ليس شرطا من اجل التضبيط بل من اجل الاقتناع والمداولة وانتظار من يستجيب من الاصدقاء والخصوم.

إن وصف حكومة الشراكة الوطنية بالفاشلة ، هو وصف لحكومة المالكي نفسها وليس شيئا آخر. انا لا اتجنى هنا . المالكي الذي يتحدث عن عدم رضاه الا يتحدث ضمنا عن قبوله قيادة حكومة فاشلة؟ واولئك الذين يتحدثون عن فشل المالكي ما بالهم يتمسكون بمناصبهم في حكومته؟.

علينا ان نعرف عن ماذا نتحدث. وجماعة 2003 الذين اسسوا نظاما سياسيا على قدر احتياجاتهم هم جميعا فاشلون . دعونا من لعبة رمي الاخطاء على الغير ، ومن التعاريف السياسية المتشابهة لكنها بسبب موقع المتكلم منها تبدو مختلفة. إن اسم الشراكة الوطنية يصف المحاصصة سيئة الصيت ، كما يصف (اغلبيات) متواطئة شكلت حكومة قائمة على الاتفاق على النهب والاختلاف في السياسات والمواقف. اننا نتحدث عن شيء واحد يبدو مختلفا بسبب الآليات ، والعلاقات ما بين الكتل النيابية والحكومة . والحال اننا نتحدث عن نظام سياسي على وجه التحديد وليس مجرد تشكيل حكومي. عن نظام لم يراجع نفسه ، ولم ينفذ الاصلاحات التي كان قد قررها ثم ابتلعها بتواطؤ مفضوح . إن المسؤولية بالفشل يتقاسمها الجميع ، والسيد المالكي الذي يعتقد ان سيئات حكومة الشراكة الوطنية لا تشمله مخطئ . إنه من سكت عن الخطأ ، ودار حوله من دون ان يواجهه ، ونسى مثل الاخرين ما هو جوهري لكل تطور سياسي ذي قيمة : بناء الدولة الديمقراطية المدنية!

اذا كان ممكنا تشكيل حكومة اكثرية عن طريق تقديم الانتخابات النيابية "ثلاثة او اربعة اشهر" حسب المالكي ، فمن الواضح أننا لن نتوقع أي تقييم نقدي للتجربة السياسية ، ولا التقدم بأي اصلاح سياسي ، فالانتخابات ونتائجها ستعوض عن ذلك ، ولسوف تحرق ملفات وتجلب اخرى كانت منسية . وأيا كانت نتيجة هذه الانتخابات فإنها إن كرست الاكثرية بالمعنى الرقمي ، ولدينا تجربة سابقة عما تفعله الأرقام من خداع ، فإن الجذر الطائفي للكتل السياسية سيصبح ملتهبا كأنه جرح .