أُسميك (كفيل زينب).. وكفى!!

 

أسموك قمر بني هاشم، فصدقوا، لأن الله أنعم عليك بالجمال، والحسن الباهر، وألبسك حلة من البهاء والكمال، وأنار جبهتك الغراء بهالة من النور القدسي.. فكان لزاماً عليهم أن يسموك- وأنت الجميل المضيء- قمراً لبني هاشم..
وأسموك أبا الفضل، كُنية ولقبا، فأبنك (الفضل) منحك حقوق الكنية، لكونك أباه، وفضائلك العظيمة منحتك شرف اللقب أيضاً.. فصرت أبا الفضل لقباً وكنية وإستحقاقاً، وكانت هذه التسمية على مقاسك العظيم، وإلاَ فمن غيرك يا أبا الفضل أحق باللقب، وأنت الذي قيل فيك: 
أبا الفضل.. يا من أسَّس الفضلَ والإبا.. 
أبى الفضلُ إلاَ أن تكونَ له أبا

وأسموك أسداً..وقولهم فيك صحيح سيدي العباس.. 
فهم لم يذهبوا الى تسميتك بهذا الإسم، لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام سمى ولده بالعباس، الذي هو واحدٌ من أسماء الأسد المتداولة بين العرب، كالليث والضيغم والحارث وحيدرة وغير ذلك من الأسماء الدالة فحسب، وليس لأن جدك (أبو أمك) إسمه (أسد) فحسب أيضاً، إنما لأن فيك من خصائص الأسد، كالقوة والبأس والعزيمة، والشدة على العدو، ما يجعلك أسداً بحق وحقيق، بل وأسد الأسود الذي تهرب من أمامه الأسود..
وأسموك السقاء، ونعم ما أسموك.. فأنت صاحب الصولات الثلاث في سقي الحسين وعائلته المقدسة، فقد كانت الصولة الأولى التي لم يتفق حولها المؤرخون، إن كانت في ليلة العاشر من محرم، أم في نهاره.. والصولة العباسية الثالثة المعروفة بصولة الإيثار، التي إستشهد فيها عليه السلام..
اما الصولة الثانية من (حرب السقي)، فهي التي ذكرها الشيخ الفاضل الدربندي في كتاب (الأسرار) بالقول: 
(لما سمع العبّاس (ع) أن الحسين (ع) ينادي ويقول: أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ خرج إليه وقبل ما بين عينه، وودّعه، وسار حتّى أتى الشريعة، وإذا دونها عشرة آلاف فارس مدرعة، فلم يهولوه، فصاحت به الرجال من كل جانب: من أنت؟
فقال لهم: أنا العباس بن علي، ثم سار (ع)، ونزل في الفرات حتى ملأ القربة، ولما رآهم تسارعوا إليه، وهو مكبّ على الماء، حط القربة على عاتقه، واستقبلهم بسيفه وهو يقول:
أنا الذي أعرف عند الزمجره
بابن علي المسمى حيدره
أن أثبتوا اليوم لنا ياكفره
فحمل عليهم، وهو يقتل فيهم حتى قتل من ابطالهم مائة ثم أنشأ يقول:
لله عين رأت ما قد احاط بنا
من اللئام وأولاد الدعيات
ياحبذا عصبة جادت بأنفسها
حتّى تحل بأرض الغاضريات
الموت تحت ذباب السيف مكرمة
إن كان من بعده سكن لجنّات
فواصل حملته على القوم، وجندل الأبطال، حتّى قرب من أخيه الحسين، فدخل إلى خيمة الحرم بالسقاء الذي معه، فتواسوا به، ولم يرووا.. ألخ)!!
وأسموك سيدي بالضيغم الضرغام، وقد صدقوا، فمن أحق غيرك بهذه التسمية، وأنت الذي تهرب من أمامك الفرسان، بينما رجلاك تخطان في الأرض حين تركب الفرس المطَهم؟
وأسماك اللغويون الفصحاء أيضاً بحامي الظعينة، وبطل العلقمي، وباب الحوائج، والمستجار، والعبد الصالح، والشهيد، والفادي، والمؤثر، وحامل اللواء، وظهر الولاية والإمامة. وصدقوا في كل ما أسموك به، وكذلك المحبون العامة الذين أسموك لشجاعتك الفريدة: (المضهضب).. (أي النارعندما يشتد لهيبها).. وأسموك: (العباس أبو شارة)، أو(أبو راس الحار)، لشدة غضبك في ذات الله، وأسموك أيضاً: (العباس الترهب بيبانه)، وأسموك:(بطل الگنطرة)، وغير ذلك من الصفات، والتسميات، والألقاب، والكنى التي أطلقت بحقك سيدي ومولاي أبا الفضل..
أما أنا، فأسميك (كفيل زينب).. وكفى !!
أما لماذا هذه التسمية دون غيرها، فلأنها مرتبطة بقصة موجعة، مفادها أن المنية لما دنت من الإمام علي عليه الصلاة والسلام،جمع أبناءه فأوصى الحسن والحسين بما يريد أن يوصيهما، وقد كان ألعباس جالساً، واضعاً رأسه بين ساقيه، عند عتبة الغرفة، وهو ينحب ويبكي.. وحين اقتربت زينب من الأمام علي، وهي تبكي، وتقول: (من لي بعدك يا أبي، ولمن ستتركني).. فالتفت الأمام علي لولده العباس منادياً، فقفز العباس نحو أبيه، وهو يقول : لبيك سيدي أمير المؤمنين.. فمسك الإمام علي بيد أبي الفضل، ليضعها في يد أخته زينب، وهو يقول له:- ولدي العباس، أوصيك بهذه..!!
فإزداد البكاء والنحيب في المجلس..
ومن تلك الليلة سمّي العباس (كفيل زينب).. فكان نعم الأخ، ونعم الكفيل.. وقد أثبتت الأيام أن أبا الفضل (گول وفعل).