محبة الاسم |
قبل أن أعرف كندا أحببتها بسبب رئيس وزرائها٬ بيار إليوت ترودو. كان بالنسبة إلي مثال الحاكم المتعالي عن صغارات السياسة وتسوياتها. ومثال المثقف في أميركا الشمالية التي لا تنتخب المثقفين وتحذرهم. ومثل ديغول الذي وقف ضد الفرنسيين في الجزائر٬ وقف ترودو ضد الفرنسيين الانفصاليين في كيبك٬ ضد قومه من أجل بلده. ونقل ترودو كندا من هامش السياسة الدولية إلى كوكبة الزعماء العالميين. وذهب يحاضر في الكونغرس الأميركي ليعلن لماذا يختلف مع سياسات واشنطن٬ فصفق له النواب٬ ثم صفقوا٬ ثم وقفوا احتراًما للعقل والمنطق واحترام النفس. كان ترودو من الذينُبهرت بهم في حياتي الصحافية. وعندما تسنى لي مقابلته في أوتاوا٬ ثم لقاءاته مرتين في الأمم المتحدة٬ ازددت إعجابا به. وحتى وفاته المحزنة٬ كنت أحرص على متابعة كل ما يصدر عنه. وكنت أرى كندا من خلاله. وعندما غاب٬ فقدت بريقها وألقها بسرعة. السنوات التسع الأخيرة عاشها في ظل رئيس وزراء سقيم اشتهر أكثر من أي شيء آخر بتأييد إسرائيل. وكان سقوطه وفوز جوستن ترودو يوم الاثنين الماضي٬ كأنه مسألة شخصية بالنسبة إلَّي. لدي شعور بأن جوستن ترودو سيعيد الألق إلى بلد باهت السياسات٬ ويفضل البقاء سعيًدا على هامش أحداث العالم وصراعات جارته الكبرى مع معظم بلدانه. كنا دائًما ننتظر المتغيرات في الدول المهمة٬ لكي نعرف كيف سوف ينعكس ذلك على موقفها من القضية الفلسطينية والقضايا العربية. هل تعرفون ما هي القضية الأولى في تحديات حكومة ترودو؟ «داعش». قد لا نراها في البيان الوزاري٬ ولكن الصحف الكندية لا تخفي ذلك. وسوف تكون مهمة ترودو الابن صعبة في أي حال. ففي كندا٬ أو في خارجها٬ كلما رآه الناس سوف يبحثون فيه عن ملامح وآثار ترودو الأب. وترودو الأب كان مرحلة تاريخية مختلفة. لكن الابن قد ينجح أيًضا في جعل الجميع ينسون تلك الشخصية الفريدة وسحرها. بعكس كندا الهادئة مثل سويسرا٬ ومثلها منصرفة إلى المصانع والمزارع٬ كان الرجل التاريخي نتاج الكتب. ومما قاله لي أنه يحزنه ألا تعطي كندا المادية شيًئا منها إلى الأدب.
|