في حب مصر |
استطاعت الحضارة المصرية القديمة بعظمة إنجازاتها في كل مجالات العلوم والفنون والآداب أن تحفظ لنفسها مكانة خاصة في قلوب شعوب الأرض. ومما لا شك فيه أن فك طلاسم اللغة المصرية القديمة على يد العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون قد ساعد على فتح نوافذ المعرفة التي ظلت مغلقة لقرون طويلة على أسرار الحضارة المصرية القديمة. ومن خلال زياراتي لمعظم دول العالم٬ واختلاطي بجنسيات متعددة أستطيع أن أقول إن «كل شعب وبلد يعشق الفراعنة لسبب قد يتفق وقد يختلف عن بلد آخر». ففي أميركا٬ ولأنهم مولعون بكل ما هو ضخم وعملاق٬ فإن الأهرامات المصرية وخصوصا الهرم الأكبر٬ هرم الملك خوفو بالجيزة٬ أكثر ما يجذب الأميركان إلى مصر٬ بينما في فرنسا يعشق الفرنسيون الفن المصري القديم٬ وهم مولعون بمقبرة الملكة نفرتاري زوجة فرعون مصر رمسيس الثاني. وتمثل حياة وفنون وآداب الفراعنة في عصر الرعامسة جانبا مهما من الثقافة الفرنسية٬ والغريب أن من بين كل خمسة فرنسيين هناك واحد قرأ كتابا أو أكثر عن الحضارة المصرية القديمة. ويختلف الأمر في إنجلترا٬ إذ إن شغف الإنجليز الأول هو الأدب المصري القديم٬ وبترجمة البرديات المصرية المحفوظة بمتاحفها وبكميات وأعداد كبيرة. ويهتم الإنجليز بعادات الفراعنة وأسلوب حياتهم وتعاليمهم.. ودراسة التاريخ المصري القديم جزء لا يتجزأ عن دراسة تاريخ الإمبراطورية التي كانت يوًما ما لا تغيب عنها الشمس. وفى إيطاليا تجد الإيطاليين يعشقون الفراعنة ويقدرون فنونهم حق قدرها٬ ويمتلك «متحف تورينو» ثاني أكبر مجموعة آثار فرعونية في العالم٬ بل إن به أحد أعظم نماذج فن النحت المصري القديم وهو التمثال الرائع للملك رمسيس الثاني. والسؤال الذي قد يسأله البعض وهو: ماذا عن كنز الملك توت عنخ أمون؟ ومقبرته التي كشفت كاملة؟ والإجابة تتلخص في أن بريق ذهب توت عنخ أمون٬ والسحر الذي يشع من كل قطعة من مقبرته تجده في عقل وقلب كل الناس بالعالم حتى الأطفال. وقصة كشف المقبرة وما ارتبطت به من حوادث٬ نقلتها وسائل الإعلام تحت مسمى لعنة المومياء. ولعنة توت عنخ أمون ساهمت بشكل كبير في ظهور ما يعرف بالهوس بالفراعنة وعالمهم المثير. أتلقى كل يوم خطابات من أطفال وشباب يروون تجاربهم٬ وكيف وقعوا في عشق علم المصريات٬ وإصرارهم على أن يصبحوا مستكشفين في المستقبل٬ وهم لذلك يسألون ماذا عليهم أن يفعلوا لكي يصبحوا علماء آثار؟ وعندما أقرأ هذه الخطابات أستغرق في التفكير في أسباب هذا الحب والعشق الكبير لمصر؟! وأسأل نفسي دائما هل استطعنا نحن المصريين توظيف هذا الحب بالشكل والطريقة التي تخدم آثارنا؟! هل قمنا بتوجيه هذا الحب بإنشاء جمعيات٬ وروابط لمحبي الآثار المصرية مهمتها المساعدة في حل مشكلات الآثار وقضايا التراث؟ لا أعتقد أن مصر استفادت بالشكل الأمثل من وضعها الحضاري وتراثها المجيد إلى الآن. والحل من وجهة نظري هو وضع خريطة عمل جاد لتشجيع كل دول العالم على حب مصر.. وأن نسمي هذا المشروع في حب مصر. ويجب أن تتبناه كل من وزارات الثقافة والآثار والسياحة٬ ودورهم الاتفاق على كيفية التعريف بمصر ومختلف عصورها التاريخية٬ وتقديمها لبلدان العالم حتى يغمر حب مصر العالم كله
|