العلة التامة واسطة الفيض الإلهي

                                                   

 في هذه المقالة أود الحديث وبصورة مختصرة وميسرة عن العلة التامة.. فالعلة قد تكون تامة وقد تكون ناقصة.

وللعلة التامة ثلاثة أركان أو ثلاثة أجزاء إذا اجتمعت هذه الأركان حصلت العلة التامة، وبالتالي يحصل المعلول. لأن المعلول لا يتخلف عن علته..

وأجزاء العلة التامة هي:

1ـ المقتضي(السبب)

2ـ الشرط.

3ـ عدم المانع.

إن وجود المقتضي مع وجود الشرط مع عدم المانع وارتفاعه يلزم منها وجود المعلول..

ومثال ذلك الرؤية فإن العلة التامة للرؤية هي:

1ـ وجود العين الباصرة (المقتضي).

2ـ وجود الضوء (الشرط).

3ـ عدم المانع الذي يحجب الرؤية فإذا اجتمعت العين مع الضوء وارتفع المانع أصبحت العلة تامة وبالتالي يحصل المعلول؛ الذي هو الرؤية، أي رؤية الشيء...

وتسمى العلة التامة، بـ (علة ما به الوجود).

مثال آخر على العلة التامة، الإحراق , وأيضاً من خلال تحقق أجزاء العلة التامة وهي:

1ـ وجود النار الذي يمثل(المقتضي).

2ـ إلقاء الشيء في النار الذي يمثل(الشرط).

3ـ وعدم رطوبة الشيء الذي يمثل (عدم المانع).

فإذا اجتمعت هذه الأجزاء الثلاثة، أصبحت العلة التامة؛ وبالتالي يحصل معلولها وهو الإحراق.

أما العلة الناقصة فهي المقتضي(السبب) مع فقدان الركنين الآخرين كليهما أو أحدهما.

ويُسمى كل ركن من أركان العلة التامة (جزء علة),

فالمقتضي جزء علة,

والشرط جزء علة ,

وعدم المانع جزء علة.

إن مفهوم العلة التامة تارةً الإنسان يريد تحقيقه، وأخرى لا يريد تحقيقه؛ يعني: المصلحة والمنفعة هي التي تتحكم في إيجاد العلة التامة من عدمها.

وسوف تتضح الفكرة من خلال بعض الأمثلة الحياتية.

مثلاً الإنسان حينما يريد بناء بيت يسكن فيه لأجل أن يقيه البرد القارص والحر القائض فإن المصلحة تقتضي هنا عدم تحقق العلة التامة عن طريق إيجاد المانع، والذي يتمثل بالسقف، والجدران، فالسقف يمنع الحر والبرد وترشح ماء المطر وهكذا...

إن عدم تحقق أحد أجزاء العلة التامة يؤدي إلى عدم حصول المعلول ولذلك قال الفلاسفة:

أن الشرط يلزمه من عدمه العدم، أي: (عدم المعلول)،

وكذلك قالوا: أن المشروط عدمٌ عند عدم شرطه؛ والمشروط هو المعلول.

أو عبارة أخرى: عدم الشرط يؤدي إلى عدم المشروط؛ والمشروط هو المعلول.

وقالوا أيضاً:

أن المانع يلزم من وجوده العدم، أي (عدم المعلول).

وكذلك قالوا:

أن المقتضي يلزم من عدمه العدم (عدم المعلول).

أما إذا وجد المقتضي ووجد الشرط وارتفع المانع فهذا يلزم منه الوجود، أي: (وجود المعلول).

مثال آخر من حياتنا اليومية وهو مرتبط بالحياة الزوجية والتي بها يطلب الزوج والزوجة حصول الذرية، وهنا لا بد من اجتماع أركان العلة التامة الثلاثة لكي تحصل الذرية (الأولاد)..

وأحياناً ولأسباب متعددة تجد الزوجين يطلبان العكس، يعني: عدم الرغبة بالإنجاب، وهنا لا بد من تخلف أحد أركان العلة التامة الثلاثة وغالباً ما يكون إيجاد المانع بطرقه المختلفة التي يعرفها عادة المتزوجون!!

وهذه الأمثلة المعاشة وغيرها تؤكد على أن مصلحة الإنسان لا تكون دائماً مع تحقق العلة التامة، بل يختلف الحال بحسب اختلاف المصالح والمفاسد.

فقد تكون العلة التامة تؤدي إلى الهلاك، وأمثلة ذلك طرق الموت المختلفة كالغرق والحرق...الخ

فمثلاً الكهرباء فإن من الضروري وجود العازل وهو يمثل المانع الذي يمنع التعرض للصعقة الكهربائية التي غالباً ما تؤدي إلى الموت..

وقد تؤدي العلة التامة إلى تكامل الإنسان وسعادته؛ والأمثلة كثيرة أقتصر على ذكر مثال طلب العلم، فإن المعلم والطالب وانتباه الطالب وطريقة تدريس المعلم كلها تمثل أركان العلة التامة؛ لأن الشرط ليس بالضرورة أن يكون شرطاً واحداً.

والمانع ليس بالضرورة أن يكون مانعاً واحداً.

فإذا اجتمعت أركان العلة التامة حصل المعلول وهو تعلم الطالب.. 

وهكذا الحال بالنسبة للعبادات كالصلاة والصوم والأعتكاف والحج...الخ

والشيء الطريف أن الشريعة فرضت التقليد على المكلف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد (العامي) ولكن يجب عليه أن يقلد مجتهداً جامعاً للشرائط وفاقداً للموانع.

فالاجتهاد هو المقتضي وباقي الشرائط تمثل الشرط أما عدم المانع فهو التصدي للمرجعية، او عدم وجود مانع يحول بين المجتهد الجامع للشرائط كالسجن مثلاً الذي يمنعه عن الاتصال بمقلديه؛ وقد تكون هناك موانع أخرى ذاتية أو موضوعية...

وقبل الختام وبعد أن عرفنا أن العلة التامة تُسمى(علة ما به الوجود)،

أود فتح باب الحديث عن علة أخرى وهي من مختصات الخالق سبحانه وتعالى وتُسمى الفيض الإلهي، وأيضاً تُسمى(( علة ما منه الوجود)).

إن العلة التامة( علة ما به الوجود) هي بالحقيقة مجرد واسطة للفيض الإلهي؛ ولولا الفيض الإلهي لم يحصل المعلول حتى مع اجتماع أركان العلة التامة، يعني: أن علة ما به الوجود(العلة التامة) تفتقر في تأثيرها إلى الفيض الإلهي(علة ما منه الوجود)...

يقول السيد الشهيد السيد محمد الصدر((قدس)) في بعض دروسه ومؤلفاته ما مضمونه: أن المخلوق تجتمع فيه علّتان هما: الفيض الإلهي، وواسطة الفيض(العلة التامة)، لأن الله شاء أن يكون للفيض الإلهي واسطة وهي العلة التامة(علة ما به الوجود).

فالفيض الإلهي هي(عله ما منه الوجود) وهي علة مختصة بالخالق؛ وواسطة الفيض هي(علة ما به الوجود)، وهذه الواسطة هو مخلوقة.

ويقول السيد الشهيد محمد الصدر((قدس)) بحسب المضمون: أن الله خلق روح نبينا محمد (صلى الله عليه وآله ) بالفيض المباشر وبدون واسطة، ويسمى الصادر الأول.. وهذا الصادر الأول الذي هو روح محمد العليا أو الحقيقية المحمدية شاء الله أن يُوجِد الخلق بواسطة روح نبينا العُليا وليس عن طريق الفيض المباشر.

فروح نبينا العُليا هي واسطة الفيض أي علة ما به الوجود(العلة التامة) لكل الخلق؛ وهذا المعنى تشير إليه بعض الروايات..

إن الله بنور محمد (صلى الله عليه وآله) خلق الكون كله؛ وبحسب مضمون الخبر عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي (صلى الله عليه وآله): أن أول ما خلق الله هو نور نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أن العلة التامة تمثل واسطة الفيض الإلهي وبطبيعة الحال أن الواسطة هي إما مخلوقة لله بالفيض الإلهي المباشر كالصادر الأول،

أو مخلوقة بصورة غير مباشرة كالصادر الثاني والثالث ... الخ، فالعلة التامة هي مجرد واسطة للفيض الإلهي.

وهذا المعنى يذكرّنا بقصة نبي الله إبراهيم الخليل(عليه السلام) الذي أُلقيَّ في النار بعد أن اجتمعت كل أركان العلة التامة(النار، وإلقاء النبي في النار، وعدم المانع) ومع ذلك لم تعمل هذه العلة!!

لأن الله منع الفيض عنها فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم (عليه السلام).