الطوفان النقدي وأثره في قيمة العملة

 

اتجهت الكثير من دول العالم لتقليل استخدام النقود في التبادلات التي تجري في الاسواق، وربما وصل الامر في بعضها الى انهاء هذا الاستخدام بشكل تام. بعد أن تم التوصل الى ابتكار البدائل التي تتابع طرحها في الاسواق خلال الستة عقود الماضية. ولا شك في أن ذلك قد جرى في ضوء رصد دقيق لتأثيرات استخدام النقود وازدياد حجمها تبعاً لتنوع وكثرة الحاجات التي تستدعي أداء الثمن المقابل عنها.وما حدث عندنا في العراق، ومنذ انطلاق الهياج النقدي في زمن الحصار الذي امتد لثلاث عشرة سنة فقدت التعاملات خلالها الآليات المعقولة في تداول النقود واستخدامها في المبادلات السلعية والخدمية. ومع أن ارتباط كمية النقود في التداول طردياً مع قيمة هذه النقود، فان الزيادة الهائلة في كمية النقود – والتي عجز الجميع في العراق عن حصرها أو احصاءها- كانت على غير ما عالجت به الامم الاخرى هكذا ظاهرة.وما يهمنا اليوم هو تدارك – ما أمكن- ووضع حد لهذا الطوفان النقدي الذي يزداد أذاه بما بدأت الاوراق النقدية تتعرض له من تلف وتآكل نتيجة الانتقال من يد الى أخرى ومن مكان الى اخر، بوسائل وطرق زادت من أسباب فقدان الورقة النقدية لقيمتها. وربما تجاوز ذلك كل معقول عند قيام المتعاملين في السوق بتخفيض آخر لقيمة العملة عند القبول بالفئات الصغيرة في مبادلتها بالعملة الاجنبية، بطريقة وآلية موصوفة بوضوح في معظم قوانين مكافحة غسل الأموال في العالم. اضافة الى ما تتسبب به الاوساخ والشوائب العالقة بها – ونحن في زمن الكوليرا- من نقل للجراثيم والاوبئة التي تزيد فينا فتكاً وافناءاً.ليس تداول السوق وحده هو الذي يتطلب الوقوف عنده وانما صارت صناديق المصارف منافذاً واسعة للاختراقات العجيبة بعد أن وصل ما يتسلمه أمين الصندوق الواحد الى ما يزيد على المليار دينار يومياً، من عملة ورقية معظمها مهترئ، لا يمكن عدها بأصابع اليدين، أو بمكائن عد النقود البدائية التي تجعل أوراق كل ربطة تتطاير الى أجزاء نتيجة حركة ريش الماكنة السريع. وما زاد الطين بلة هو أن تداول الفئات من 250 دينار الى 1000 دينار لا يتم بالعد والحساب وانما بالوزن أو بالزبن. كما أن ذلك تسبب بالاذى الكبير للمصارف وللعاملين في خزائنها.كان ولازال ايداع المصارف للنقد في البنك المركزي العراقي ومنذ ما يزيد على العشر سنوات مثار العجب. اذ تنقل النقود بأكياس كبيرة معبأة بعدد محدد من الربطات النقدية ومن فئة معينة، ربما يصل مجموع ما تحويه الى حدود العشرة مليارات دينار مما يجعل من غير الممكن أصلاً أن يتم عدها حسبما تقتضيه أبسط القواعد المصرفية التي تقضي أن يتم تسلم النقود من المودع بعد القيام بعدها أمامه والتأكد من كميتها وكذلك بالنسبة للسحب اذ يتوجب على من يتسلم أي مبلغ من صندوق المصرف أن يقوم بعده وبعكسه فان المصرف غير مسؤول عن أي نقص في المبلغ بمجرد أن يستدير الزبون للخروج من المبنى. كان لدينا في العراق ومنذ الثلاثينيات (قانون العملة العراقية) وكان يحدد قواعد واصول التعامل بها بدقة متناهية، حتى في اصول الابراء.واليوم وبعد ان وقع ما وقع، فان اي رصد اجتماعي لتأثير ذلك على سلوك الافراد وعلى عوامل تحقيق الأمن فان الاطلاق السائد في التعامل النقدي خاصة بعد ان اختفت كل ادوات التأديات والابراء الاخرى، فان الدعوة يجب أن يتصاعد الالحاح عليها، وذلك باصدار البنك المركزي العراقي تعليمات لا تسمح بالسحب النقدي من المصارف بما يزيد عن حدود معقولة وكذلك بالنسبة للتأديات فيما بين الافراد اذ يمكن الزامهم باستخدام الادوات المالية التي على المصارف ان تباشر بتهيأتها، ووضع تعليمات تسهل التعامل بها لاكتساب ثقة الجمهور، وحبذا لو قامت بذلك بدون اجور أو رسوم اذ انها اي المصارف ستكون هي الاكثر استفادة من هذه التطبيقات وذلك بانخفاض معدلات السحب والايداع النقدي.