العراق تايمز: كتب ستيفن نبيل
وصلت بغداد مساء يوم الاثنين ، مرهقا جسديا من الرحلة لكن نفسيا كنت فرحا بشكل لا يوصف، بعيدا عن معشوقتي مرت ١٠ سنوات ، صعبة و طويلة ، مرة و قاسية و على امل الرجوع حلمت احلامي. بدون اي تخطيط مسبق و بروح ارتجالية قررت بعد الساعة ٩ مساء ان اشد الرحال الى كربلاء في الصباح التالي، بدون خطة و بدون تخطيط. جنون كالعادة، هذه المرة هناك رجل قرأت عنه الكثير و سمعت عنه الكثير ، ملحمة دار رحاها على رمال صحراء الطف.
وصل الاصدقاء حسن و حيدر و صفاء الى مقر اقامتي و من ثم انطلقنا. وصلنا الى كربلاء المقدسة بعد طريق ساعة و نيف، كنت في وضعية لا استطيع ان اتخيل ماذا سيحصل في كربلاء، هل سيتم الترحيب بي كمسيحي؟ هل هناك نوع من التوتر الديني تجاه من هم من ديانات اخرى. لم اكترث كالعادة و تركتها للرب. وصلنا كربلاء و اول ما شدني هو لوحة فنية مرسومة على جدار تمثل كل مكونات الشعب العراقي مجسدة باجسام تمسك الايادي.
شعرت بالارتياح نسبيا. بعدها التقينا بمجلس محافظة كربلاء متمثلا برئيسه و اعضائه الكرام. زيارة النازحين كانت جميلة و ممتعة و رؤية الاطفال يتلهفون لارتداء ملابسهم الجديدة نشوة لا تصف بكلمات. كل هذه الاثناء كان ينتابني شعور غريب، شعور بمسؤولية زيارة من يبعد عن المكان بدقائق معدودة. الساعة الان تدق السابعة و النصف، كان يجب ان نكون في بغداد الان ، الوضع خطير و الطرق ليست مؤمنة بالكامل ، قائد الوفد اصر على الرجوع لضمان سلامة الجميع، احساس بداخلي تفجر و صرخ كلا انا باقي! يجب ان ازوره، يجب ان اذهب الى الامام!
في بالي الامام كان غاندي كان جيفارا كان المسيح على صليبه ، كان احد ابطالي و انا اعشق الثورة ضد الظلم! لم اراه قط كرمز للشيعة او المسلمين ، لم ازوره لكي استميل عاطفة طائفة او دين، لو كان هذا مبتغاي لذهبت لزيارة الامام الكاظم بدون ان اخاطر ليلا و في اوج خطورة الطرق، شدني احساس غريب لزيارة الامام، وصلنا الى المكان و طلبت ان "نزور" فقام الاصدقاء متفضلين بتعليمي كيفية الوضوء و الاغتسال، دخلنا الحضرة ، لاحظت اماكن العيارات النارية التي اطلقت على جدران الامام اثناء قمع الانتفاضة ، تذكرت افراد عائلتي المعدومين و كل الابرياء الذين ذهبوا ضحايا لبطش الحكومات المتعاقبة، رددت الزيارة مع الاصدقاء و لحد تلك اللحظة الاحساس كان عبارة عن مزيج من الشوق و اللهفة ، احساس يراودني اثناء زيارة متحف او بناية تاريخية..المفاجاة كانت عندما اقتربت من شباك الضريح..مسكته بيد واحدة حتى الاحظ رجفة تعصر قلبي و احساس لم يكن غريب عليا قط! حزن عميق، لحظة غضب ممزوجة باعتصار قلب و دموع تمسح خطيئة سنين من على خد حمل جراح الغربة و ماساة الحروب..احساس راودني ٣ مرات في حياتي قبلها فقط! عندما شاهدت فلم صلب المسيح لاول مرة و انا طفل حيث بكيت بكاء شديدا و رفضت الظلم ! احساس راودني اثناء ماساة كنيسة سيدة النجاة و الايام التي تلت حيث طاردني بكاء ادم و عويل ام فقدت ابنها..احساس بالغضب و الحزن..احساس راودني لشهور في امريكا بعد دخول داعش و سبي النساء، كوابيس طاردت منامي لشهور، احساس بالغضب و الذنب لانني رجل في زمن يحدث فيه الظلم! راودتني هذه الاحاسيس اغلقت عيناي و جلست على ركبتي متضرعا باكيا اسمع صراخ النساء المختطفات و بكاء الشهيد ادم ، احساس هز كياني كزلزال يشق الجبال! نعم انها كربلاء، هنا حدثت ، هنا وقع الظلم تحت اقدامي اسمع صراخ النساء من جديد اسمع صراخ الحسين و هو يقاتل مصابا مجروحا ، اسمع بكاء الاطفال و هي تذبح، الان عرفت لماذا شدني القلب لزيارته، كل يوم هو كربلاء! كل يوم هو صراع الظالم و المظلوم صراع الخير و الشر.
مشيت خطوات و طلبت ان اترك وحيدا وانا متمدد على بساط الصالة الكبيرة..متأملا في السماء و السقف الجميل ، الحسين هو ثورة ، ثورة للسني و الشيعي ثورة للمسيحي و الصابئي ثورة للايزيدي و اللاديني..وقوفه في وجه حاكم ظالم هو ما يفعله شعبي اليوم ضد داعش..هو ما فعله يسوع المسيح من على صليبه لكي يقف في وجه ابليس.
معركة الانسانية لا زالت مستمرة..كلنا جنودها و كلنا حسينها و يسوعها و جيفارتها.. طريق العودة كان على غير شاكلة، ارتاح قلبي و زادت عزيمتي..ننتصر او ننتصر..
|