* يعيش المتقاعد مرحلة صعبة للغاية وحالة هموم ووحدة في المنزل * لم يستطيع بعضهم التأقلم مع وضعهم الجديد عندما شعروا بنوع من الاهمال والتهميش * غالبيتهم يقومون بمراقبة أفعال كل أفراد أسرتهم والتدخل في كل صغير وكبيرة
يشكو كثير من المتقاعدين الذين وصلوا الى السن القانوني و الذي أسهم في أحالتهم على التقاعد من وصولهم الى مرحلة حساسة وحرجة في حياتهم اليومية ، فبعد أن إعتادوا على جميع الاعمال الموكلة اليهم والتواجد في العمل لساعات طويلة منذ الصباح حتى المساء خارج منزلهم ولسنوات طويلة ، وجدوا أن وضعهم قد أصبح عبارة عن مكوث في المنزل طوال اليوم من دون فائدة يقدمونها ، فجعلهم هذا الامر يعيشون فراغاً قاتلاً لم يستطيعوا التأقلم معه بسهولة، فادى الى تغييرات في سلوكياتهم وأفعالهم تجاه زوجاتهم وأبنائهم . فهل يستطيع المتقاعد أن يتعايش مع حياته الجديد؟ وكيف يمكن أن يتواصل مع أهله وأبنائه بعد هذه السنين التي كان يعمل بها خارج المنزل ؟ ولماذا تتغير تصرفاته مع الاخرين وفي كثير من الاحيان بصورة عصبية بعد إحالته على التقاعد ؟ . (( بغداد الاخبارية )) كانت لها جولتها وتحدثها مع بعض المتقاعدين حول هذه الامر . مرحلة صعبة قال كاظم عبد الوهاب صادق ( متقاعد ) بعد إحالتي على التقاعد ، عشت مرحلة صعبة للغاية ، وكنت مهموماً ووحيداً في المنزل ، وكانت زوجتي وأبنائي يشاهدوا هذا الحزن الذي أحاطني من كل جانب ، فتفهموا حالتي ونفسيتي بصورة جيدة ، خاصة وأن عملي بالنسبة لي ليس مجرد مصدر رزق لعائلتي فقط ، بل هو المصدر الذي أستمد منه قوتي وأهميتي وكرامته ، ولكن كل هذه الامور ، فقدتها فجاءة بعد وصولي الى السن القانوني ، بعد أن كنت المعيل الوحيد لهذا المنزل وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه ، ومن خلال ذهاب كل شيء مني ، عانيت من إضطرابات نفسية رهيبة وسلوكيات عصبية ، إنعكست بالسلب على أفراد أسرتي بصورة كبيرة . حالة جديدة أضاف خولة نمير حامد ( متقاعدة ) بقولها لم أستطيع أن أتأقلم مع وضعي الجديد بعد تقاعدي ، فشعرت حينها بنوع من الاهمال والتهميش وعدم الأهمية من الاخرين إن كان من أسرتي أو الاقارب أو الجيران ، فتغير الحال ، وإستمر زوجي في عمله الخاص به وأبنائي كل منهم منشغل في عمله أو دراسته ، وكان نصيبي الحبس المنفرد في المنزل من دون ذنب يذكر ، وهو ما شكل لي معاناة نفسية كبيرة وشعور دائم بالفراغ والملل من روتين يومي لا يتغير ، إذ دفعني إلى محاولة تعويض ما خسرته وملء فراغي عن طريق فرض سيطرتي على المنزل ، كي أشعر بأني ما زالت أحافظ على مكانتي وهيبتي أمامهم . التدخل في شؤون الاخرين أشار داود مازن ليث ( متقاعد ) بقوله لقد لامني جميع أفراد أسرتي ، وهم يشاهدوني أقوم بمهام غريبة وجديدة في المنزل بعد إحالتي على التقاعد ، من خلال مراقبتي أفعال كل فرد من أفراد العائلة عن قرب والتدخل في كل صغير وكبيرة تخصهم ، فتارة أنتقد طريقة ملابس زوجتي أو تصرفات أبنائي ، وتارة أتدخل في العديد من التفاصيل التي لا تخصني ، مثل طريقة الطهي وما يخص المطبخ ، فوجدت علامات الضجر والتذمر بادية على وجوههم عندما أتكلم معهم ، أثناء إستقياظي بصورة مبكرة وأبنائي ينهضون من فراشهم مـتأخرين ، فاحاول إجبارهم على الاستيقاظ وأنهر من يسهر فيهم الى ساعات طويلة من الليل ، وقد راجعت نفسي أكثر من مرة ، حين وجدت أن هذه المرحلة الحرجة حولتني إلى شخص شديد العصبية وأختلق المشاكل من دون أي أسباب منطقية ، وقد حدثت أكثر من مرة مشاجرة مع أحد أبنائي لمجرد أنه تركوا أي مصباح في المنزل مضاء حتى الصباح أو مع زوجتي بسبب طبخها لصنف طعام لا أحب تناوله ، ما جعل منزلي في حالة جحيم لايطاق . إضطرابات نفسية أكدت منى وليد سالم ( متقاعدة ) على إن تقاعدها عن العمل أصابها بالعديد من الاضطرابات النفسية الصعبة ، ما جعلها تعيش في حالة مزاج متعكر وتحاول إفتعال الكثير من المشاكل في المنزل ، وهذا ما أثار ضيق زوجها وأبنائها ، فكان يجب عليهم أن يتفهموا حالتها ، وما تمر به في هذه المرحلة من ضغط نفسي وشعور بالتوتر وعدم التأقلم على هذه المرحلة الجديدة ، من خلال مساندتهم لها نفسياً والوقوف بجانبها ، لكي تمر هذه المرحلة بسلام وسرعان ما تتأقلم معها وتعود الى وضعها الطبيــعي . نشاطات إجتماعية طالب سعيد عبد الرضا جعفر ( متقاعد ) من جميع المتقاعدين أن يقوموا بإشغال أنفسهم بأي أنشطة رياضية أو إجتماعية أو ثقافية ، بغية القضاء على أي شعور بالفراغ والملل ، ربما قد يتسلل لهم ويداهمهم بصورة مستمرة ، فضلاً عن تكوين صداقات مع من حولهم ، يقضون من خلالها معهم أوقات فراغهم ، لان كثير منهم من حملة المؤهلات والخبرات العالية في مجال عملهم ، ويمكن للناس الاستفادة منهم في مجال الاستشارات أو عمل مشروعات خاصة بهم ، كي لا يجدون صعوبة كبيرة في العيش معاً بعد التقاعد ولا يشعرون بان بريقهم القديم ، قد ذهب بلا رجعة بعد ترك العمل . قلة المال أوضحت شيماء حسام جميل ( متقاعدة ) بقولها لقد حصلت بعد إحالتي على التقاعد على حريتي التي إفتقدتها منذ سنين بسبب إرتباطي بدوام يومي طيلة سنوات العمل ، وقد حاولت الاحتفال مع زوجي وأبنائي بهذه المناسبة ، ولكني لم أجد أي تقارب معهم ، لا في الهوايات ولا في الاهتمامات المشتركة ، وكان قلة المال المسبب الرئيس في حصول الكثير من الخصام فيما بيني وبين زوجي وقد إعترفنا لبعضنا بأننا بحاجة كي نتعلم من جديد عن كيفية العيش معاً ، في ظل رحيل الأبناء عنا . جدال تافه إنتقد جسام حميد طارق ( متقاعد ) ظاهرة قيام الرجال المتقاعدين في قضاء أوقاتهم مع زواجتهم في الجدال حول أشياء تافهة ، والتي قد تتحول الى مضايقة بعضهم البعض بطريقة لا تصدق ، من خلال إكتشافهم بأنهم لم تكن لديهم نفس الآمال في سنوات عمرهم التي ذهبت ، ويواجهون من خلال هذا الشعور كل أنواع المشاكل في علاقاتهم ، لانهم كانوا مشغلين بروتين الذهاب للعمل ورعاية الأطفال والسعي وراء إهتماماتهم الشخصية ، ولم يكن لديهم أكثر من ساعة واحدة أو إثنتين فقط لقضاء وقت مميز معاً ، وكان باقي يومهم مخصصاً لالتزامات أخرى . أعقد وأصعب تفاجئت أمل عبد الحسن تحسين ( متقاعدة ) بمشهد قضاء يوم كامل مع زوجها على مدار الأسبوع من دون عمل أو أطفال يتحدثون معهم ، فوجدت صعوبة في التعامل مع هذا الوضع الجديد ، وإن تنظيم علاقتهم صارت أعقد وأصعب مما تخيلوا ، عندما يفضل أحد الزوجين القيام بكل شيء معاً ، بينما الآخر يحب التفاعل أكثر مع أصدقائه ، نتيجة قلة المواد المالية التي ربما قد تعكر صفو هذا التقاعد السعيد ، لذلك لابد من وجود عملية توازن متفق عليها ، على ألا يكون إنفاق كل المال المدخر لاحد منهم ، والاخر يريد حفظه لوقت الضيق .
مسك الختام عندما يحال الموظف الى التقاعد من العمل ، هذا لا يعني أنه أحيل من الحياة الى الابد ، ولكن يجب الاستفادة منها ، للقيام بأشياء أخرى قد حلم بها دائماً ، ربما قد يحسده عليه معظم أصدقائه المستمرين في العمل ، فكان التخطيط من الاساسيات المهمة قبل إحالة الزوجين أو أحدهما للتقاعد ، ولكن هذا التخطيط لا ينبغي أن يبدأ لحظة تقاعد الشخص ، وإنما منذ وقت مبكر ، كي يتمكن من التأقلم مع وضعه المالي عند التقاعد ، وتقدير كمية المال الذي سيأتيه في كل شهر ، كي يعيش في حدوده مع الاخر، ليمكنه من الاستمتاع بتقاعد سعيد معاً من دون مشاكل . |