ملاحم بلا خواتم |
قرأت في صحف ومجلات العالم، ما أمكنني التحمل، قصص وحكايات اللاجئين الذين غّطوا البحر والبر في الأشهر الأخيرة. وهي جميًعا ليست قصًصا ولا حكايات، بل ملاحم أمامها فصول كثيرة قبل أن تعثر على خاتمتها، في أوروبا أو أميركا أو آسيا أو سيبيريا، التي كانت لها حصتها من الهاربين. ليس في العالم مساحة سيئة الصيت مثل سيبيريا.. أرض مغطاة بالجليد، وسماء قاتمة داكنة، وبرد وقر وثياب ثقيلة من جلود الدببة، تعيق حركة الإنسان وتزيد في كآبته وشعوره بستار الثلج الأسود. إليها كان ينفي القياصرة أسوأ أنواع المعارضين، وإليها كان ينفي ستالين رفاقه المنشقين، وينساهم هناك إلى أن يقرض الجليد أجفانهم وعظامهم. تخّيل أن تبدو سيبيريا ملاًذا ومقًرا للهاربين من جحيم الحرب السورية. تصور أن سيبيريا التي يحلم الناس بالخروج منها، تصبح لدى البعض حلًما باللجوء والاستقرار. وقد سمعت على قناة «روسيا اليوم» ضيًفا على مقابلة مثل ضيوف مقابلات فضائياتنا، يقول بكل بساطة إن تقبل روسيا اللاجئين شرط أن يقبلوا بدورهم الإقامة في سيبيريا، وبذلك، تكون الفائدة مزدوجة: روسيا تفيد من اليد العاملة القابلة بمثل هذا المناخ المستحيل، والهاربون يعثرون على وطن بديل لا ينافسون فيه أحًدا. لكن الملحمة البشرية لا تتوقف هنا. قبل وصول الهاربين إلى نعيم سيبيريا، يمر بعضهم بعشرة بلدان ونحو 20 مهرًبا، ويركبون الطائرات والمراكب والقطارات، ويقطعون المسافات الشاسعة على أقدامهم في الغابات والبراري، ويتعرضون لشتى أنواع الذل والمهانة. وعندما يروي هؤلاء أسباب الهرب من بيوتهم ومدنهم وقراهم وحاراتهم، تدرك أنهم قرروا الفرار إلى الحياة ولو كان ثمن ذلك خطر الموت. وروى أحدهم لـ«النيويوركر» أنه كان يدرس الحقوق، فلما تخرج أصبح عليه الانضمام إلى الجيش: «وهذا يعني أن يواجه خطر الموت أو ما هو أسوأ». وسأله المراسل: «هل هناك ما هو أسوأ من الموت؟». أجاب: «أجل، أن تتحول إلى قاتل. لقد فّضلت الفرار عبر عشر دول وألف رعب وألف مذلة، على أن أوجه البندقية إلى صدر مواطن لي، لا أعرف إن كان هو أيًضا تصر أمه على سفره، لأن هذا أغلى عندها من بقائه إلى جانبها». |