حرب الكفاءات لصالح من..؟

 

الداتو مرتبة ملكية منتشرة في شرق آسيا، وفي ماليزيا تمنح من قبل السلطان لحالات خاصة، وأن بحثت عن العدد الأكبر ممن يحالفهم الحظ ويمنحون هذا اللقب، لن تجدهم المسؤولين الحكوميين أو التجار الأغنياء، بل الغالبية هم أساتذة جامعيين أو باحثين مبدعين.

الامر لا يتعلق فقط بهذه الدولة القليلة الموارد فأغلب دول العالم المتقدمة، أو التي تسعى حثيثا أن تكون في مصافي الدول المتقدمة، تحرص على تكريم الأستاذ الجامعي، وتوفير بيئة بحثية ملائمة له، فموارد الدول ممكن أن تنضب، أو يساء أستخدمها كما حدث في العراق، ولكن الكفاءات العلمية تضمن لأي بلد التقدم مهما قلت موارده.

عانت الكفاءات عموما، والأساتذة الجامعيين خصوصا الكثير في العراق، ففي عهد هدام اللعين أضطر الأستاذ الجامعي الى العمل خارج الجامعة، وبمختلف الوظائف لعدم كفاية الراتب، وعند تحسن الراتب في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أشترط عدم عمل الأستاذ الجامعي في أي مهنة غير التدريس (التفرغ الجامعي).

بعد الـ 2003 باتت هموم الأستاذ الجامعي أكبر وأكثر ايلاما، حيث أن الكفاءات العلمية هي الطبقة الأكثر استهدافا بعد القوات الأمنية، فتعرض الأستاذ الجامعي إلى الخطف والتعذيب والقتل، وتم تصفية وترهيب أغلب علماء العراق وكفاءاته، مما تسبب بهجرة العديد منهم خارج العراق، ومع ذلك هنالك من قاوم وبقي في العراق مخاطرا بحياته وحياة أسرته.

لم يذكر أي مسؤول هذه التضحيات، ولم يوجه أي مكافئة أو كتاب شكر لمن ساهم باستمرار عجلة التعليم آبان الفتنة الطائفية، بل بالعكس فسلم الرواتب لـ 2008 جعل من تعين بهذه السنة أعلى ممن تعين قبلها بمرحلتين! وعزوا الأمر إلى خلل أداري لم يصحح قط.

البحث العلمي فما زال يحبو داخل العراق، والسبب سوء التخطيط وعدم وجود آلية سليمة لتمويل الأبحاث داخل الجامعة أو خارجها، ففي كل دول العالم تمول الأبحاث من الجامعة، وأغلبها تكون حلول لمشاكل تواجهها الدولة أو شركات القطاع العام والخاص.

 أما في العراق ففي الغالب يضطر الباحث إلى دفع تكاليف البحث بنفسه، وأغلب هذه الأبحاث ينتهي بها المطاف الى أدراج المكتبات، بدل الاستفادة منها، فمن الواضح أن من يحكمونا عباقرة لا يحتاجون الى البحث العلمي لأداره الدولة، والدليل ما وصلنا اليه، هدر بمليارات الدولارات، وبنى تحتية لا ترتقي حتى إلى من بقي متأخرا من دول العالم الثالث.

الباحث العراقي، وجد فرصته للأبداع في برنامج البعثات العراقي فعكس عمق الحضارة في العراق التي شوهها الساسة العراقيين، فتفوقوا على بقية الطلبة الأجانب، ففي ماليزيا لقبوا باليابانيين العرب، حتى استراليا وبلغاريا وبريطانيا وامريكا كلها شهدت في الفترة الأخير بحوث قيمة، وبراءات اختراع لطلبة عراقيين، وجاءت مكافئتهم صاعقة من العراق بتقليل رواتبهم بنسب تراوحت من 30-50%.

والآن الضربة القاضية، باغتصاب الحق المشروع للأساتذة وأصحاب الكفاءات بقطع مخصصات الخدمة الجامعية، التي خصصت لهم بقانون الخدمة الجامعية الذين أبى الساسة تشريعه، حتى يبقى الأساتذة والكفاءات دون قانون يحمي حقوقهم.

ألا تعلم الحكومة أن أغلب الكفاءات اضطروا الى أخذ السلف الحكومية ذات الفائدة الأعلى، ليمتلكون بيتا صغيرا أو قطعة أرض داخل بلدهم، وأنه بتخفيض الراتب لن يكون باستطاعتهم تسديد هذه القروض فما العمل؟ هل سيرمى العلماء في السجون، وهو المكان الطبيعي لأمثالهم، خاصة عندما تحكم البلد من قبل الجهلة واللصوص.