نحن والقضاء في كتيبة واحدة!

 

في يوم الخميس الماضي، تشرفتُ بزيارة قصر القضاء في الرصافة، بصحبة الصديق، والزميل الإعلامي، الخبير القانوني صباح الشيخلي. وإذا كان القصد المعلن من الزيارة السلام على سعادة القاضي جاسم محمد عبود وتهنئته بمناسبة تعيينه رئيساً لمحكمة إستئناف بغداد/ الرصافة الإتحادية، فإن القصد الآخر للزيارة كان تعميق أواصر العلاقة الوطنية بين الإعلام العراقي الحر، المنحاز للحرية، والعدل والمساواة، والمنتصر للفقراء، والمظلومين، وبين القضاء العراقي الشريف، الذي أثبت وطنيته، ومهنيته، وإستقامته، ونزاهته، وإنحيازه لمصالح المظلومين، رغم الضغوطات التي مارستها، وتمارسها، السلطات الدكتاتورية طيلة مراحل التاريخ العراقي الفائتة.. لذا فإن لقاء الإعلام الحر، بالقضاء الوطني الحر يوم الخميس الماضي، لم يأت من باب المجاملة ولا من باب المصالح الشخصية الضيقة.. إنما هو واجب وطني ومهني وأخلاقي، ومسؤولية تاريخية، وضعتها الظروف في أعناقنا جميعاً، فكان لزاماً على الطرفين تحملها بشرف..
وعلى هذا الأساس فقد كانت زيارتنا لسعادة القاضي جاسم محمد عبود زيارة ود، وتعارف، وتبادل تحايا، وفي نفس الوقت فهي زيارة عمل، وتبادل آراء، وتجارب، وخبرات.. فالصحفيون الذين يقومون اليوم بشجاعة وعناد بواجبهم الوطني والشرعي والمهني في فضح مافيات الفساد، وكبار الفاسدين، مقدمين حياتهم، فداء للحق والعدل والنزاهة، خاصة وإن للفساد مخالب حديدية شرسة، إن لم تكن مخالب جهنمية، لا تفتك بحياة الصحفي المشاكس والمشاغب فحسب، إنما تبحث عن كل ما يتصل بهذا الصحفي، من أهل وزملاء وأصدقاء لتمنحهم (بركاتها) التصفوية الدموية.. وما مواكب الصحفيين الذين سقطوا في طريق الحرية، والعدالة، والتصدي للفساد، إلاَّ الدليل القاطع على مواقف الإعلاميين الوطنيين النجباء.. ونفس الشيء يقال عن القضاة العراقيين الشرفاء، الذين دفعوا حياتهم ثمناً لشرفهم المهني، وقرارهم العادل، ومواقفهم العظيمة..
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر موقف الشهيد القاضي رئيس إستئناف الرصافة الأسبق، الذي دفع حياته ثمناً لمهنيته ووطنيته الغالية، وهناك غيره الكثير من القضاة العادلين المضحين.. 
لقد كان اللقاء بالقاضي جاسم محمد عبود فرصة طيبة لإطلاعه على ما يعانيه الصحفي العراقي النزيه، وما يعانيه أيضاً رؤساء التحرير، وأصحاب الصحف بسبب مواقفهم الوطنية والمهنية، فالصحفي النزيه الذي يتصدى للفاسدين الكبار قبل الصغار، يكون للأسف لقمة سائغة بفم المافيات المالية الفاسدة..
ومع كل هذه المخاطر، نجد الصحفي، ورئيس تحرير جريدته، لا يأبهان للضغوط، ولا يتأخران عن إكمال مهمتهما الوطنية والمهنية والأخلاقية، مهما كانت التضحيات، فيصمدان بوجه المصاعب، التي تصل حد الضغط على صاحب الجريدة لفصلهما مقابل نشر إعلانات دسمة في الجريدة.. 
والمؤسف في بعض الحالات أن هذا الصحفي – الذي يجب تكريمه هنا- يتعرض الى متاعب أشد أخرى، تتمثل بوقوفه في ساحة القضاء متهماً بسبب دعوى يرفعها ضده المسؤول الفاسد، بتهمة القذف والتشهير والتسقيط، وغيرها من الدعاوى التي تعرض بإستمرار ضد الصحفيين في محكمة النشر والإعلام.. لذلك، فقد توضحت الصورة يوم الخميس الماضي أمام قاض، هو واحد من أبرز قضاة العراق، وأبرعهم وأذكاهم وأعدلهم، وألمعهم، مع كل إحترامي لقضاتنا الذين لا يقلون وطنية ونزاهة وعدالة عن القاضي جاسم عبود.. فكلهم في ساحات القضاء بارعون، وعادلون ونزيهون .. لكن للقاضي جاسم محمد عبود خصوصية في الميزان العدلي، حيث – وكما يروي لنا زملاؤه – أن الرجل لا يخاف غير الله، ولا يخشى في الحق أشد السيوف عطشاً للدم، ولا يهتز في قول العدل، حتى لو كان ثمنه حياته.. ولا أكشف سراً لو أقول، إني فرحت كثيراً حين سمعت رئيس إستئناف الرصافة يثني بإعجاب كبير على مواقف الإعلاميين في مواجهة الفساد والفاسدين، ودورهم في التصدي للإرهاب والإرهابيين..
وكم كان رائعاً هذا الرجل حين قال لنا بوضوح: كونوا يا أحبائي مع الحق وأقسم بالله العظيم لن يمسكم سوء أبداً، وكونوا مع المظلومين، وانا والقانون ضمانتكم.. فلن يظلمكم أحد ما دمتم مع الحق، ولن يقف بوجهكم أحد، ما دامت أقلامكم باسلة، وشجاعة ووطنية ونزيهة وعادلة..
لقد كانت ثقتي الشخصية تزداد، كلما مررت على قاض من قضاة هذه الرئاسة الأبطال.. نعم الأبطال.. أقولها بملء الفم.. فمن يمشي حاملاً روحه على كفه لبطل صنديد..
لقد ألتقيت بالقاضي راضي الفرطوسي الذي يتحمل اليوم شرف مسؤولية القضاء في جنح النزاهة، وبالقاضي محمد سلمان قاضي تحقيق النزاهة الأول.. وبالقاضي محمد حبيب الموسوي قاضي محكمة النشر والإعلام .. فهؤلاء، وغيرهم من قضاة العراق مقاتلون محاربون في سبيل العدل، مدججون أبداً بسلاح الحق والمساواة.. أما نحن الإعلاميين الذين نسندهم بأرواحنا وأقلامنا في ساحة المواجهة مع الأرهاب، والفساد، فأخوة لهم في الحق. وقبل ذلك، فنحن وإياهم نقاتل في كتيبة واحدة..