ظَنَنْتُهُ تَعَلَّمَ! (١)

 

                     

   لماذا تلتصِق مؤخّرة الزعيم عندنا بالكرسي، ولا يحصل هذا الشّيء في الغربمثلاً؟!.

   لأنّ الزّعيم عندنا يعاني من واحدٍ او أَكثر من المشاكل والامراض التّالية؛

   أولاً؛ فإمّا انّهُ يعيش مرض جنون العَظَمَة، فلا يرى الا نَفْسَهُ وهو لا يرىذاتهُ وشخصيّتهُ وقيمتهُ الا من خلال السّلطة، ولذلك تراهُ غير مستعدّ لتركِها حتّى اذاتسبّب ذلك بتدميرِ البلاد ومَن عليها، كما هو ديدَن الطّغاة عادةً.

   انّهُ لا يؤمن بالدَّور وانّما بالمنصب، ولا يؤمن بالمسؤولية وانّما بالموقع، ولايعتقد بالانجاز وانّما بالامتيازات، ولذلك همّهُ السلطة أبداً حتى اذا تسلّل اليها عبرانهار الدّم وجماجم الضحايا!.

   ثانياً؛ او انّهُ لا يعتقد بنظريّة تعاقب الأجيال التي يستخلف أحدها الآخر،وهي سنّة الحياة وخلق الله في عباده، فتراهُ يسعى ﻻداء كلّ الأدوار في كلّالأوقات، فيأخذ فُرَصَ غيرهِ.

   ثالثاً؛ او انّهُ لا يعتقد بنظريّة التطوّر التي لا تتحقّق على ارض الواقع الابتجدّد العقليّات والدّماء وطريقة التّفكير.

   رابعاً؛ او انّهُ لا يثق بأحدٍ أبداً ليترك لهُ السلطة، فلا يرى في الآخرين الامشروع مؤامرة يحاولون قلب الطاولة عليه وتخريب ما بناه وتدمير ما انجزهُ،فهو الامين المؤتمن على احلام الشعب، وغيرهُ خائن لا يؤتمن على شيء.

   خامساً؛ او انّهُ لا يعتقد بقدرةِ أحدٍ على إكمال المسيرة لضعفهِم وعجزهِم، فهوالوحيد الذي حباه الله تعالى بقدراتٍ خارقةٍ يقدر بها ان يحقّق المعاجز، وان اللهتعالى كسرَ القالب الذي خلقه بهِ فلم يستنسخ أحداً مثله، وان الأرحام قد عقُمَتفلا تلدُ الأمهات مثلهُ أبداً.

   سادساً؛ او انّهُ يُؤْمِنُ بنظريّة (التقمُّصالتي تنصّ على انّ السلطة قميصُ اللهتعالى يلبِسُهُ من يشاء من عبادهِ ولذلك فلا داعي لان يخلعَ هذا القميص ويمنحهُلغيرهِ أبداً، بل لا يجوزُ ذلك ولسانُ حالهِ [لا اخلعُ قميصاً البسنيهُ الله عزّ وجل]!.

   سابعاً؛ او انّهُ يرى انّ [السّواد بستانٌ لقريش ما شِئْنَا أخذنا مِنْهُ وما شِئْنَا تركناهُ]وانّ خيرات البلد ملكُ ابيه فـ [لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوفُ أقوامٍ]!ولذلك فهوَ لن يترك السّلطة قبل ان يضمن انّ أولادهُ وأحفادهُ وأقاربهُ وعشيرتهُسيتداولونها من بَعْدِهِ!.

   ثامناً؛ او انّهُ متورّطٌ في ملفّاتِ فسادٍ ضخمةٍ يخشى اذا ترك السّلطة فسيكون(العِجلُ السّمينالاول الذي سيقف خلفَ القُضبان، ولذلك تراهُ يتشبّث بالسّلطةليحمي نَفْسَهُ!.

   انّ كلّ هذه المشاكل والامراض يُمكن ان يُبتلى بها الزّعيم عندنا بغضّ النظرعن الهويّة والخلفيّة والانتماء والزّي، فهي انّما تتعلّق بالعقليّةِ فقط وفقط، ولذلكرأينا كيف تشبّع بها ثلاثةٌ من (الزّعماءمروا في تاريخ العراق الحديث، علىالرّغمِ من انّهم مختلفونَ في كلّ شيء حدِّ التّناقض، الاول (جلّاددمّر العراق وكادالثاني (ضحِيّةان يفعلَ الأمر نَفْسَهُ فيما يوشك الثالث (ضحيّةفعلَ الشّيءذاتهُ.

   جلّادٌ وضحيّتان، اختلفوا في كلّ شَيْءٍ ولكن جمعتهُم أمراضُ السّلطة!.

   الاوّل (الجلّادهو الطّاغية الذّليل صدام حسين [القومي العروبي العلمانيالذيتشبّع بهذه الأمراضِ والمشاكل حتى أوردَ العراقُ الى المهالكِ ورماهُ الى المجهول،فأضاعَ حلمِ الشعب في الحياة الكريمةِ بعدَ ان دمّر كلّ شيء حتّى السيادة.

   الثّاني هو أحد ضحايا ذلك الطّاغية واقصد به السيد المالكي (المتديّنالذي ينتميالى التيار الديني او ما يُسمى بالإسلام السّياسي، فهو الاخر تشبّع بتلكَ الأمراضوالمشاكل حتّى أضاع حُلم العراقيين وتحديداً شيعة العراق في بناءِ نظامٍديمقراطي عصري حديث، يَكُونُ النموذج الذي يُحتذى في تعايش التنوّع والتعدُّد.

   أمّا الثالث، فهو الاخر أحدُ ضحايا الطّاغية الذليل واقصد بهِ السيد بارزاني الذيينتمي الى التّيار القومي الكُردي ذو النّزعة العلمانيّة، فهو الاخر تشبّع بالمشاكلوالامراضِ أعلاهُ حتى التُّخَمة، ليُضيّع حُلم الشّعب الكُردي في الفيدراليّة الّتيتنتهي الى قيام الدّولة الكرديّةغَيْرَ مكترثٍ بحجم الخطر الذي يهدّد كلّ ما انجزهالكرد في الإقليم لحدِّ الان!.

   الثلاثةُ يختلفونَ في كلّ شَيْءٍ، في الهويّةِ والخلفيّةِ والانتماءِ وفي كلّ شيء، الاانّهم ثلاثتَهم التصقت مؤخّرتهم بالكُرسي، وفي بلدٍ واحدٍ وسلطةٍ وَاحِدَةٍ وفي فترةٍزمنيّةٍ متقاربةٍ.

   هذا يعني انّ المشكلة عندنا ليست في الهويّة ولا في الزِّي ولا في الانتماءِ ولافي الخلفيّةِ وانّما محصورةً في العقليّة، في طريقةِ التّفكير، وفي طريقةِ فهمالامورِ، وفي طريقةِ التّعاملِ مع الأشياء، فالزّعماءُ عندنا يختلفونَ في كلّ شَيْءٍالا في العقليّةِ فهي القاسم المشترك بينهم جميعاً، ولذلك نكرّر المشاكل وتتراكمالأخطاء ولم نحقِّق تقدُّماً استراتيجيّاً يُذكر، فأقصى ما نحقّقُهُ هو الرّتوش علىالّلوحة الأصليّة البائسةِ لحياتِنا، ولذلك فما لَمْ تتغيّر العقليّة فسنظلّ نستنسخْالظّاهرة (الفرعونيّةفي السّلطة وستظلّ تلتصق خلفيّات الزّعماء عندنا فيالكراسي، وسنظلّ نشهد منظر الصّراعات الدّامية على السّلطة سواء كانت بُنيةالنّظام السّياسي ديكتاتوريةً ام ديمقراطيةً، وستظلّ عندنا طريقة تغيير الزّعيم تشبهالى حدٍّ بعيد طريقة تغيير المرافق العامَّة، نحطّمُ البلد ونعرّض ما أنجزناهلمخاطر جمّة في كلِّ مرّة نهمُّ بتغييرِ زعيم!.

   انّ الثّلاثة المذكورون اختلفوا في كلّ شَيْءٍ ولكن كلٌّ منهم ضربَ الدّستوروالقانون عرض الحائط ولم يُعر لمستقبلِ البلد ايّ اهتمامٍ ولم يأخُذ بنظرِ الاعتبارالمخاطر التي تُحدق بهِ وبالشّعب، يدفعهم الى ذلك عقليّتهم التي لم تختلف فيشيء، لأنّهم ثلاثتهُم همُّهم السّلطة والمنصب والامتيازات وَلَيْسَ ايّ شَيْءٍ آخر.

   والغريبُ في الأمرِ ان الثّاني والثّالث كانا يعيبانِ على الاوّل تشبّثهُ بالسّلطةوالثّالث كان يعيبُ على الثّاني تشبُّثهُ بالسّلطة، وهو اليوم يُمارسُ الامرَ نَفْسَهُ،فلقدْ ظننتُهُ قد تعلّم الدّرسَ، ولكن يبدو انّ الزّعيم عندنا في العراق لن يتعلّمَدرسٌ أبداً، فهو يترك السّلطة دائماً بلا كرامةٍ.

   والمضحكُ المُخجل المَعيب في القضيّة ان جيش (العلمانيّينمن كُتّاب ومثقّفينومفكّرين ومنظّرين الّذين ظلّوا يبشّروننا بنموذج الدّولة المدنيّة (العَلمانيّةأسوةًبتجربةِ اقليم كُردستان تلفّعوا اليوم بالصّمت ولم ينبُسوا ببنتِ شَفةٍ جرّاء مايجري في نموذَجهم من تشبّثٍ بالسّلطة وصراعٍ دمويٍّ عليها وتهديدٍ للمنجزاتلدرجة اثارة ضحك واستهزاء العالم علينا، فدسّوا رؤوسَهم في التّراب كالنّعامة!وتركوا مؤخّراتهم في الهواء الطّلق!.

   أيّها العلمانيّونأيّها الاسلاميّونأيّها العراقيّونصدّقوني انَّ المشكلة ليست فيالهويّة وانّما في العقليّة.

   غيّروا العقليّة ليتغيّر كلّ شيء.

   كيف؟!

   هذا ما ساتحدّث عَنْهُ غداً باْذن الله تعالى.