ثدّي التطرّف .. هل من مرّض سرّطان ينقذنا منه ؟

 

1 تَعيّش الأمتان العَرَبَية وَالإسَّلاميَّة بمّرحلة فتور و”مراوحة تاريخية” في مكانها – إزاء تحدّيث مشاريع النهضة والتنْمية المُستدامة – مُذ أكثر من خمسين عاماً وما زال تحت أنقاضها يتدّفق نهر وسيّلٍ جارف من الهزيمة النكراء والترّدي والانحطاط والرجعية والرّد على الأعقاب، وتُقيّم داخل عنوان (أسوأ مَرَاحِلهّا التّاريخْيّة)، كيف لا وَهيّ تَصّحْو كُل يَوُم عَلى قَافلة من القَتَّلى وَالضّحْايا الذين يَتَخْطفهّم المَوُت والإرّهاب تحت عِنوان الرّب والمُقدّس، تَقَطفّهم أسيَّاف الحَرَب الأهليَّة وَرِماح التطرّف باسم الدين والشَرَيعّة والسماء، حتى أصبّح قتل الإنسان ((مِهّنة الجَمْيّع))، وَصّار التطرّف الثقافة السّائدة للمُجْتَمْع العَرَبَي الإسَّلامي المَعّرُوف بسَمْاحَتّهِ، واعتدّاله، وَرَحْمّته المُستلة من وَحّي الشّريعة الإسَّلامية النْصيَّة.

 

2 تبادرت في ذهني الشكوك وأنا أكتُب عن “الظاهرة الإسلامية” والتطرّف والعنف والقتل المجاني باسم الاسلام، وقلت في نفسي: لماذا يقتل بعضنا بعضاً بهذه البشاعة ونحن أبناء عمومة ومن نسل واحد هل أجاز لنا الإسلام قتل أبناء عمومتنا وجلدتنا وهل الإسلام دين عنيف ثم أين رحبته وسماحته وإخاؤه وصور الألفة والمحبة التي عرفناها عنه حتى كلفت نفسي للبحث في أصول التطرّف وحقيقة العنف وعلاقته بالإسلام كإرهاب أو فعل للإرهاب، إذ ليس الغاية عندي تبرئة الإسلام من الإرهاب فالإسلام منزّه ومحفوظ ولا يحتاج لمن يُعرّف به أو يُفصح عنه فهو يُحدّث نفسه “تلقائياً”، وهو يحمينا لا نحن نحميه أو نبرئة إنما الإنسانية هي من دفعتني لفك الرمز بين الإسلام والإرهاب.

 

3 أكثر الملاحظات على التطرف واخطرها هو ربطه بعجلة الدين وممازجته بالمقدس، والتعامل معه على إنه يُمثل “بيضة” الدين خصوصاً في الحالة الإسلامية التي اعتبر فيها “التطرف دينياً” بأمتياز عربي، حيث يؤكد التطرف الديني المعاصر على المنهج الفقهي في تفسير آيات القرآن الكريم التي تعتمد على عموم ألفاظها لا أسبابها وهو حذو الخوارج بذلك ويستعمل الآيات ذاتها التي ردّدها هؤلاء قصد تكفير كل حاكم ورمي المجتمع بكل مؤسساته بالجاهلية بنفس ما ذهب إليه سيد قطب في تكفير المجتمع وضرورة إعادة بنائه بعد ذلك الكفر والإخراج من الملة.

 

4 إذ أصبح سيّد قطب هو “ثدّي التطرّف” والمُغذي الأول لأعمال العنف، وأصبح كتابه معالم في الطريق” – رغم بشريته وأخطائه الجسيمة – هو دستور غالبية الجماعات الإسلامية التي ترفع شعار العنف مهنة والسلاح سبيلاً أي إنْ حقيقة التطرّف هو النظرة الأحادية للدين والتفسير القطعي للنصوص الدينية الذي يباعد بين النص والواقع في حين إنْ النْص هو أبن الواقع ولا يخرج عنه بعيداً، فالقرآن جاء متمْرّحلاً على مدى عشرين عاماً ليكتمل بعدها لهذا فالنص مُراعٍ للواقع وإلا فأن خلاف ذلك سوف يحدث الشروع بالعمل بالنْص فجوة وبالتالي سُينتج التطرّف (أبن الواقع المعاش) وأبن السياسات الطائشة التي يمارسها “البعض الإسلاموي” من خلال تطبيق الكتاب والسنة من نافذة سيد قطب وليس من نافذة الإسلام التقليدي الرسمي.

 

5 اذن فالإسلام دين وسطي لا طرفي (وجعلناكم أمةٍ وسطا) ولم نجعلكم أمةٍ طرفا، وهو دين سلام لا دين عنفي، ولا ميال لاستعمال للقوة إلا في حدود رّد العدوان والدفاع عن النفس (أي حالة الدفاع وليس الهجوم) والقرآن ليس منبع للتطرّف، والرسول جاء للرحمة وللإنسانية وبالتالي فإن مُمارسة التطرّف ليست من الدين وإنما من التدّين، أو بالأحرى هي ليس من الإيمْان وإنما من ضعف الإيمان (!!) وحالة طبيعية للقراءة المعكوسة للإسلام والتفسير الشائه والقديم للنصوص الدينية، وتفضيل التأويل البشري (الاجتهادي) على التنزيل الرباني وبالتالي فما كان بديل الله عند الجماعات الاسلامية الشاهرة للسلاح إلى جانب المصاحف إلا “سيد قطب”، ولا بديل للقرآن إلا “معالم في الطريق” بعبارة أدق: أصبح سيد قطب عند الجماعات الدينية “الراديكالية” في محيطنا العربي هو “ثدّي” التطرف وكتيبات سيّد قطب – بما فيها كُتيبات إنتاجه الأدبي والشعري – وبالتحديد منها كتاب “معالم في الطريق” بأنها دستور تلك الجماعات ترفعه وتتقرب به إلى الله زلفى متجاوزة بذلك القرآن الكريم والسنة النبوية!!

 

6 أذن فسيد قطب هو ثدّي التطرّف يُقال أو يشاع إنْ هناك مرضٍاً مُستشرياص في العالم أسمة سرطان الثدّي، ألا من سرطان يُصيب ثدّي التطرف الديني هذا عند العرب؟ .. أيتها العدوى أقصدينا مرة ولو ولو عن طريق الخطأ فما أكثر القصف العشوائي والنيران الصديقة، نأمل أنْ تخطيئنا هذه المرة على الأقل!!

 

7 يا ألهي كم نحن محتاجين لوباء يُصحينا من غفوتنا زلزال يهز فرائصنا لزوبعة تحرك سكون عقولنا المتحجرة، المنغلقة، لبركان عله يحرق جغرافيا الهزيمة في واقعنا، بُعيد ترتيب بيتنا العربي إلى وضعه ومساره الحقيقي ما فعلته بناء جماعات التطرّف الديني جعل بيريز وموفاز يبعثون رسائل تهنئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى قادة الهولوكوست العربي معطرة بالسعادة، وبريد “سرّي للغاية” لقادة الإسلام السياسي العربي!!

 

8 أيتها المايكروبات، والفايروسات الناقلة والقنوات الجرثومية أوعدينا بسرّطان سام وقاتل لثدّي التطرف في عالمنا العربي !  فمن ينقذنا من هذا المُغذّي المتدفق كالسيّل في مجرى الدم والعقل والضمير، لا نريد مزيداً من إغداق الدم المجاني دون أسياف جنود الله الهاربين الفارين من معركة الحق إلى معارك الباطل بقتل ذوينا وأبناء جلدتنا وإشعال الفتنة بعود كبريت الفتاوى!