اي كتاب ؟ اي اغنية؟

كان الناشئون في الصحافة يحملون إلى المشاهير أسئلة من نوع: «لوُحكم عليك بالنفي إلى جزيرة نائية٬ أي كتاب تأخذ معك؟»٬ أو: «إذا سمح لك بأغنية واحدة فماذا تختار؟». وكنت أرى في هذا النوع من الأسئلة شيًئا مثل الباستيل٬ أو غوانتانامو. واضح أن الهدف من السؤال هو معرفة ذوق الضيف٬ في الأدب وفي الطرب. وبعضهم كان يمرر الجواب رسالة ما٬ إما إلى من يحب٬ من خلال الأغنية٬ فيطمئنها إلى أنه لا يزال على ذكرى اللقاء الأول والحبيب الأول٬ وإما إلى دائرة المثقفين٬ من خلال اسم الكتاب: «أنا أفضل (الكلمات) لسارتر أو (الغريب) لكامو». وقد صدف كثيًرا أن المجيب لم يقرأ إلا اسم الكتاب في شبكة الكلمات المتقاطعة. لكن ذلك ليس مهًما. وَمن سوف يمتحنه في أي حال؟ هو سؤال وُطرح٬ وهو جواب وقد أُعطي. إذن٬ أين المشكلة في الموضوع؟ المشكلة في الاضطهاد غير المقصود. فمن هو الذي لم يقرأ في حياته سوى كتاب واحد يستحق أن يمضي معه زمن منفاه؟ ومن هو الذي لم يحب سوى امرأة واحدة وأغنية واحدة؟ وما هو هذا الحكم الهمجي بأنُتجبر على الاختيار بين أغنية واحدة من أم كلثوم أو من فيروز؟ وإذا أخذت معك إلى «الجزيرة» «لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب» فلمن تترك «انت عمري»؟ الكتب٬ مثل الإنسان٬ مراحل. والأغاني مراحل. والمشاعر مراحل. وعندما قال صديقنا أبو تمام٬ ما يردده الجميع خلفه٬ وهو «ما الحب إلا للحبيب الأول» فلأن حبكة الشعر قد حبكت ولحظة الحنين قد حكمت٬ أو لأن الدنيا في أيامه كانت محصورة بين الدخول فحومل. وما من خيارات كثيرة. أو قليلة. ومع أن باقي الشعراء لم يقولوا البيت نفسه٬ إلا أنهم أعطوا الحظ نفسه. هند أو ليلي أو خولة أو عبلة. ولا ذكريات من لندن أو سهرات من القاهرة أو رفيقة قطار في شرق فرنسا٬ يوم الفتى يبدد العام العشرين مشرًدا بين أحلامه ووقائع الحياة. وبعد وصول القطار لم يبَق له سوى أن يترجم لها بيت «الأخطل الصغير» في وصف ما وقع: يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا / كعاشق خط سطًرا في الهوى ومحا أرجو أن الترجمة كانت وافية.