نوري السعيد و نوري المالكي ؛ تشابه في الأسماء و اختلاف في الرؤى !


العراق تايمز: كتب خليل الفخري


شهد القرنان الثامن عشر و التاسع عشر نهوضا ملحوضا للحركات القومية التي اعتمدت الفكر القومي اسلوبا نضاليا و دعائيا لها في عملها تحت يافطة اعادة امجاد الأمة العربية الغاربة


في أجواء كهذه ظهر نوري السعيد كسياسي طموح ، طغت نزعة السياسة فيه على حرفته العسكرية ، وقد تلمّس ذلك فيه الشريف الحسين بن علي الذي انتدبه في عدد من المهمات السياسية .


تعود بدايات صلة نوري السعيد بالجمعيات القومية ذات الصبغة الوطنية التي كانت تنادي بأستقلال البلاد العربية عن الدولة العثمانية ، الفى فترة دراسته في الكلية الحربية في الأستانة . حتى اذا أنهى فيها دراسته وجد الفرصة متاحة له و مواتية للأنخراط في العمل القومي


بدأ مشواره السياسي الى جانب الأمير فيصل في سوريا . و كان ممن ساعدوا على تتويجه ملكا عليها ؛ على ان يكون الأمير عبد الله بن الحسين ملكا على العراق


وحين انقلب الفرنسيون على الأمير فيصل بعد ان تلمسوا فيه حسا تحرريا و نزعة وطنية و أخرجوه من سوريا ؛ كان نوري السعيد من رجاله ومن عملوا على ترشيحه لعرش العراق فيما بعد ، الى أن ترأس أول وزارة في 30 مارس آذار 1930 .


ان مراجعة برنامج نوري السعيد الوزاري ، و خطواته العملية في وزارته الأولى نجدها ترسم حدود مذهبه السياسي و أفكاره الثابتة حتى آخر وزارة شكّلها ، و أجهزت عليها بضربة مفاجئة ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة .


كلا الرجلين ؛ نوري السعيد و نوري المالكي ؛ دشّن دخولهما العراق مرحلة احتلال له . تربعت بريطانيا فيها خلال العقود الأربعة الأولى من العام 1920 و حتى قيام ثورة تموز حين فقدت مواقعها و امتيازاتها منذ اللحظة التي أعلن فيها راديو بغداد عن قيام الثورة . و القوات الأمريكية في الثانية لعقد من السنوات


دخل نوري السعيد العراق على ظهر باخرة بريطانية في حملة احتلال البصرة اثناء الحرب العالمية الأولى ، و قد ظلّ وفيا للظهر الذي حمله حتى ساعة مصرعه يوم 16 تموز 1958 . فيما دخلها المالكي مع الحذاء الأمريكي و بمباركة منه خلال حملة اسقاط الدكتاتورية في نيسان 2003 . لكن المالكي تنكّر فيما بعد للحذاء الذي رافقه و حمله وهو نكرة و مغمور الى العراق و أجلسه في هرم السلطة ، بعد أن كان هو و غيره من ساسة الصدفة و أشباه المعارضين يتقاسمون الدعم المقدم لهم من المخابرات الأمريكية ضمن الموازنة الأمريكية التي خصصها بيل كلينتون للمعارضة العراقية و مقدارها 93 مليونا من الدولارات سنويا . فكلا الرجلين أرّخ دخولهما العراق لمرحة من الأحتلال له


ان ولاء نوري السعيد لبريطانيا ليس دليل اعجابه بالنموذج الديمقراطي فيها ، مع ان الملك كان في الدستور العراقي مصونا و غير مسؤول . وان الحكم برلماني يعتمد التعددية الحزبية و حق العمل السياسي المشروع سواء داخل الأحزاب أم خارجها . و اعتبار السلطة التنفيذية خاضعة للسلطة التشريعية ؛ غير أن نوري السعيد بدأ رئاسة الوزارة الأولى بحل البرلمان في حزيران 1930 وسط احتجاج الزعماء البريطانيين من المعارضة و مظاهرات الشارع العراقي و استخدام حكومته القوة لأول مرة ضد المتظاهرين و المضربين عن العمل احتجاجا .


ان نوري السعيد في هذه الوزارة و خلال ستة شهور هو نوري السعيد نفسه خلال مجمل حياته السياسية ؛ رفض للمعارضة ولو كانت برلمانية ، و حل البرلمان و ان شكّل المعارضون فيه أقلية لا تتجاوز 10% مقابل 90% لصالحه . و ارتباط مع بريطانيا على مستوى المعاهدات و عدم احترام التعبيرات المشروعة للرأي العام في الشارع العراقي .

 
لقد حلّ نوري السعيد البرلمان مقابل استلامه رئاسة الوزارة الأخيرة ، لأنه كان يضم 12 معارضا من مجموع 135 نائبا . و أقام بديلا يراه هو الأفضل ؛ برلمان التزكية الذي عقد حلف بغداد وسط معارضة محلية و عربية و دولية ساخنة ضد سياسة الأحلاف .


لم يكن نوري السعيد ثعلبا ماكرا كما يراه و يحلو للبعض وصفه . ولم يكن داهية كما يرى انصاره ، لقد كان اقرب الى رجل العقيدة الثابت على موقفه من السياسي المحترف . فلم يتنازل مرة عن اعلان موقفه السياسي هذا . ولم يكن يتردد عن مراجعة السفير البريطاني و الأمريكي في دارهما لأخذ المشورة في موقف ما .

كما أعلن ذلك الدبلوماسيون أنفسهم في مذكراتهم يجمع الباحثون و كل الذين أرخوا لثورة تموز و تناولوا أحداثها ، على أنه لم يكن لنوري السعيد حرس مسلح بالآلاف كما هو اليوم للمالكي و بقية الزبانية اضافة للطائرات المرافقة للمالكي و السيارات المصفحة و اولئك الذين يخلون الشوارع لمرور موكب سيادته . بل كان للسعيد خفراء يتناوبون الجلوس امام الباب الرئيسي ، حيث لم تحدث مقاومة من داخل البيت عند اقتحامه ساعة اعلان الثورة ، حيث كانت الفرصة سانحة له للهروب بزورق حسون العيسى زوج خالة المفكر السيد حسن العلوي .


كانت محتويات منزل نوري السعيد و آثاثه تبدو في نظر الكثيرين اسطورة أقرب الى الخيال ، و قدر من الأثارة بعض الشيئ قياسا الى بيوتنا التي تفتقر الى الحمّام و غرف النوم و السرير السيسم ، و لكنها الآن بعد أن دخلت بيوتنا ملامح عصرية تعود بنا ذاكرة الأيام الى الساعات الأولى من قيام ثورة تموز و اقتحام دار نوري السعيد ، و هنا تبدو المفاجأة فقد كانت أقل بكثير مما تضمّه منازلنا حاليا . فلم يكن فيها آثاث أجنبي . و لم يكن في الدار أجهزة خاصة ، و لا أجهزة كهربائية كالموجودة حاليا . كان في الدار ؛ جهاز تلفزيون واحد ، و راديو فيليبس ، و غرفة نوم هي أقرب الى غرفة العزاب . و صالة بلا ديكور مع طقم آثاث مغلّف بالقماش المخمل . و لم يكن في البيت أثر لتمثال او تحفة فنية . ربما لأن نوري السعيد نفسه يعتبر الفن التشكيلي صنوا للتحريض السياسي او المتعة الفارغة ؛ فالرجل لم يكن مثقفا ثقافة ادبية كافية .


و في الطابق الثاني الذي اتخذ فيه غرفة نومه ، كانت مازالت منشفة مستعملة معلقة على غير انتظام و ربما كانت قد مسّت جسده آخر مرة .


أما غرفة الطعام فكانت تبدو و كأنها لم تستعمل منذ فترة . و أغلب الظن أنه كان يتناول طعامه على عربة صغيرة متحركة تقدم اليه . علما انه كان يتناول الخبز العراقي الحار من تنور الجيران بدون محاذير أمنية .


كان الرجل أقرب الى الصوفي منه الى رجل الحكم ؛ بعكس المالكي الذي ينفق مئات آلاف الدولارات من ميزانية الجياع و المسحوقين و الأطفال على أناقته و هندامه و صبغ شعره و الله أعلم . فقد كان السعيد زاهدا عن ملذات الحياة ؛ لم يترك بعد خمسين سنة من العمل السياسي ثروة طائلة . و لعله لم يكن يعرف الطريق الحديثة في الأيداع بالمصارف الأجنبية .


تلك كانت حال نوري السعيد بعد 13 مرّة ترأس الوزارة فيها و 38 عاما من الحكم ؛ فأين ترى يقف منه المالكي ؟


وفي العودة للمالكي يمكن القول بأن الرجل مهووس ، مريض بالوهم ! مصاب بغرور العظمة و الشعور بعقدة النقص ؛ فلم يستوعب عقله العصفوري ان يتحول بين لحظة و اختها الى الرجل الأول في العراق وهو يتشبه بالشاه و سالازار و بينوشيت و فرانكو و باتيستا ؛ بعد ان ملأت رئتيه و انفه أتربة السيدة زينب وقد قضى عقدين من السنوات على ارصفتها يبيع الخواتم و المسبحات .


ومن خلال قراءة الرجلين نراهما يلتقيان في رفض المعارضة و عدم الأقتراب منها او التعامل معها ، و قمع الخصوم داخل العملية السياسية و خارجها . كلاهما عمل و بشتى الطرق و الوسائل الدنيئة على اقصاء الآخر .


و يختلفان في ان نوري السعيد اقرب الى الصوفية في معيشته . زاهدا في كل شيئ . لم تمتد يده الى المال العام بعكس امين عام حزب الدعوة الأسلامي ؛ المالكي .


نوري السعيد اقرب الى رجل العقيدة الثابت على موقفه من السياسي المحترف غير طامح لشئ ولا طامع بشيئ بعكس المالكي الميال للترف و البذخ و الأنفاق على المقربين منه و شراء الأصوات و الضمائر الميتة و الذمم ومن اجل هذا افرغ ميزانية العراق في جيوب اعوانه و بنى قاعدة حزبه وأجلس العراق على الحصيرة .


لم يكن لنوري السعيد حرس ولا ميليشيات و افؤاد حمايه بالآلاف وهي ترهق ميزانية الدولة و تستنزف مواردها ، كما للسيد المالكي امين عام حزب الدعوة الأسلامي الذ بفضله و بركاته عاد العراق القهقرى الى الفترة المظلمة و ايام الشموع و الطبخ على الحطب و فضلات الحيوانات و يجلس ابناء الفقراء ؛ هذي الزهور على الأرض الطينية في عز شتاء لايرحم و مدارس بلا ابواب و شبابيك 
كان لنوري السعيد خفراء يتناوبون الجلوس امام الباب الرئيسي .


لقد فقدت بريطانيا بفغقده آخر مجاهديها في الشرق الأوسط تاركة الفرصة لنمط آخر من السياسيين الذين يشتمون في الهايدبارك في النهار و ينامون على فراشها في بيكادلي سيركس .