فواتح فيسبوكية

قبل ايام توفى قريب لأحد اصدقائي، فأقام الفاتحة في احدى القاعات، وتُعد هذه سابقة حضارية في اقامة مجالس العزاء في القاعات والجوامع في العاصمة بغداد، التي إعتاد اهلها على نصب الجوادر في وسط الشوارع واستقبال المعزين صباحا ومساء، في حين غادر ابناء الفرات الاوسط هذه التقاليد من سنوات طوال.

الشيء الاروع ان هذا الصديق كتب منشوراً على صفحته في الفيسبوك، انه يتقدم بالشكر الجزيل للمعزين جميعا، منهم الذين تجشموا عناء الوصول، والذين اتصلوا عبر الهاتف، ومن ارسل رسائل نصية عبر الموبايل، ومن تقدم بالتعزية عبر الفيسبوك.

وبهذا المعنى فلم تعد التعزية او التهنئة عبر هذه الوسائل مرفوضة أو مستهجنة، بل ظهرت مؤشرات على قبلولها مع زيادة مشاغل الناس، وتزاحم إلتزاماتهم اليومية.

وربما سنشهد في السنوات القليلة المقبلة نصب (جوادر) افتراضية على صفحات الفيس بوك، يتم فيها تحديد استقبال المعزين بأشكال إفتراضية من الساعة الثالثة مساء، وحتى صلاة المغرب، وربما بعد العشاء، يجلس فيها ذوو الفقيد امام هذه (الجوادر) الإفتراضية، ويبدأون باستقبال الهوسات (العراضات)، إذا كان المتوفى شيخا أو وجيها او رجلا سياسيا، اما اذا كان فقيرا مثلي فأن ذويه يكتفون فقط باستقبال الرسائل النصية والمنشورات والرد عليها إو اعطائها اعجاب.

إن هذه العادات التقليدية تستنزف منا الوقت والمال والجهد، وتُبعدنا عن الله كثيرا، لأن الجميع ميتون، والبكاء الكثير والعويل، وتمزيق الملابس اعتراض على مشيئته سبحانه وتعالى، وقبل ايام عرضت شبكات التواصل الإجتماعية فديو لرجل بريطاني، قلد فيه أفعال العراقيين حين يفقدون واحداً من ذويهم، هذا البريطاني جمع أهله، وارتدى ثوباً اسود، ومشى قليلا ثم مزق ثوبه الذي يرتديه، وبدأ باللطم على صدره ورأسه (وهلس) شعره، وهو يصيح بلكنة بريطانية (يابوي يابوي يابوي) وبعدها عم الصراخ والعويل لدى افراد الإسرة، لكن في آخر الفديو مزقت العائلة ملابسها من الضحك على تقاليدنا البالية التي لم ينزل بها الله من سلطان.

انها دعوة لاقامة الفواتح على الفيسبوك، ومغادرة البكاء، بشكل متطرف، وتجنب تمزيق الملابس، وغيرها من الاساليب المظهرية التي يسعى البعض عن طريقها إلى ارسال رسالة بأن المتوفى، عزيز وأنهم يحبونه، وفي أغلبها تكون رسائل للآخرين تهدف إلى تجنب إنتقاد الآخرين.