بعيدا عن ارزاق الناس

اثار اعلان الحكومة سلم جديد لرواتب موظفي القطاع العام زوبعة من
الانتقادات والتظاهرات المضادة التي ترفض المساس بالرواتب والمخصصات
اطلقها أساتذة الجامعات وامتدت لتشمل شرائح عديدة؛ ومن خلال متابعة دقيقة
لمجريات الاحداث؛ نثبت الحقائق التالية:

- ان اعلان الحكومة لسلم الرواتب لم يكن موفقا في توقيته ، وجاء في غير
محله ووقته ليزيد من الاحتقان الجماهيري الذي ما كادت حدة مظاهراته تهدأ
حتى اشعلته الحكومة من جديد.. ولا نعرف من المستفيد من خلط الاوراق في
الداخل كلما هدأت الاوضاع او حقق الحشد والقوات الامنية تقدما على
داعش؟؟.
- ان سلم الرواتب الجديد لم يحقق العدالة المرجوة من اقراره ، والا لما
هب الموظفين قاطبة للتظاهر ضده.. وفي هذا خلاف للحقيقة التي حاولت
الحكومة تسويقها على انه في صالح الموظف لا ضده ، لان تقليص رواتب موظفي
القطاع العام وبشكل تعسفي ومفاجيء لا يتوافق مع الأوضاع الاقتصادية
والالتزامات المعيشية ليس فيه عدالة لا من قريب ولا من بعيد.
- ان إقرار السلم بعيدا عن مجلس النواب كان فيه غبنا شديدا للموظفين ،
وتفردا ملحوظا للسلطة التنفيذية في القرارات المصيرية ، وهي مصيرية
لانها تتعلق بقوت الموظف ومعايشه.
- ان تعدد جداول السلم الجديد وامتناع الحكومة عن اعلان السلم الحقيقي
يخفي ورائه محاولة لأشغال الرأي العام عن الأزمات الاقتصادية وعجز
الحكومة عن تخطيها او ايجاد الحلول الناجحة لها.
- ان محاولة ادخال الاعتراض على سلم الرواتب الجديد ضمن اطار الخلافات
السياسية مخالف تماماً للواقع ، لان الكتل البرلمانية عارضت إصلاحات
الحكومة وبشدة وفي اكثر من منبر حينما قلصت من امتيازاتها.. بينما مرر
ممثليها في مجلس الوزراء وبهدوء قرار السلم الجديد بالإجماع ودون معارضة
تذكر لانه لا يمس مصالحها.
خلاصة القول.. ان عجز الحكومة عن مواجهة انخفاض الواردات بسبب الهبوط
الشديد لأسعار النفط عالميا وتراجعها عن الاستدانة من الخارج والداخل ،
يؤشر تخبطا اقتصاديا اضر بسمعة العراق الخارجية ، دفعها الى زيادة
الضرائب المفروضة على المواطن بشكل كبير في اسعار الخدمات والطاقة
والاتصالات بل وتقليص واردات جيش جرار من الموظفين يقدر باكثر من ثلاثة
ملايين يشكلون طبقة مثقفة وواعية تقارب في تعدادها عشرة بالمئة من
السكان.
ورغم تريث الحكومة في تنفيذ السلم الجديد ، الا انها ما زالت تخفي نية
مبيتة لتنفيذه وما تشكيل اللجنة الخاصة لبحثه الا لتهدئة خواطر
المتظاهرين وان الحكومة لا خيار أمامها الا بالتخفيض الان او العجر عن
تسديد رواتب القطاع العام مطلع السنة المقبلة...
ورغم علمنا بحجم الازمة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة ، الا اننا
ندعوها وبصدق للبحث عن خيارات استثمارية واقتصادية وشركاء دوليين
وحقيقيين... بعيدا عن ارزاق الناس