البعض يدعونه الحظ وأحيانا البخت |
في وقت سابق قرأت ان والدة الإمبراطور نيرون قد توجهت بالدعاء الى الرب ساعة ولادته قائلة " اللهم اجعله من ذوي الحظوظ ليخدمه ذوي العقول ولا تجعله من ذوي العقول ليخدم ذوي الحظوظ". ولأنني نويت ان اكتب عن موضوع الحظ فقد آثرت ان أتحقق عن مصدر هذه المعلومة لأنني ابتئس فعلا ان أردد مقولة بدون اجراء الحد الأدنى من التمحيص . وبالفعل وجدت ان هناك تضاربا في مصدر هذه المقولة فهناك من يشير الى ان قائلة هذا الدعاء هي زوجة احد الفراعنة لدى ولادة ابنها والآخر يدعي انه يعود الى إعرابية مجهولة فيما ذكر مصدر اخر ان احد الحكماء قد دعى لابنه بهذا الدعاء . لذا اعتقد ان صاحب هذه المقولة الخالدة هو فيلسوف تعيس الحظ او امرأة حكيمة سيئة الحظ بحيث قال احدهما هذا القول فيما يشبه الدعاء للابن بعد أن نفذ الصبر من ان يبتسم الحظ بوجههما وهكذا توفيا ولم يذكر احد حتى اسم القائل الحقيقي . ذكر الفنان عمر الشريف في مقابلة تلفزيونية انه التقى بامرأة في احد الفنادق في أوروبا سلبت لبه بجمالها وسعى جاهدا ان يقضي ليلة معها ولكنها تمنعت لسبب غير مفهوم فاغتاظ بعد ان انتظرها طويلا في غرفته فقرر النزول الى صالة القمار كي ينسى الخذلان الذي احس به و ينسى تلك المرأة التي لم تأبه له وهو في قمة شهرته ووسامته... فلعب الروليت و كسب مبلغا هائلا من المال في تلك الليلة في واحدة من ضربات الحظ التي لا تتكرر كثيرا . ذكر انه في اليوم التالي اشترى لها كمية هائلة من الزهور وطلب من إدارة الفندق ان توصلها لها مع بطاقة مقتضبة يشكرها فيها الى عدم الاستجابة لطلبه بقضاء ليلة حمراء معه لانها لو قبلت عرضه لبقي معها في غرفته حتى الصباح ولم يكن ليجني هذا الربح الخرافي في صالة القمار . قبل أسبوعين حدث امر لم يحدث لي قط طيلة حياتي حيث كان دوامي ذلك اليوم في احدى العيادات التي اعمل فيها للمرة الاولى لمتابعة حالات أمراض اللثة حصرا . عند قيامي بمراجعة البيانات الشخصية لإحدى المريضات اكتشفت ان تاريخ ميلادها يطابق تاريخ ميلادي باستثناء السنة فأخبرتها ان هذه الصدفة لم تحدث لي سوى مرتين في حياتي حيث كانت الاولى في ابو ظبي والمرة الثانية في فانكوفر وفي كلا الحالتين كان هؤلاء الأشخاص مراجعين في العيادة . الى هنا والقصة تبدو طبيعية وليس فيها ما يجعل المرء يفغر فمه عجبا لهذه المصادفة . ولكن الامر المذهل ان السيدة التي فحصتها مباشرة بعد التي سبقتها كان تاريخ ميلادها مطابقا لي تماماً كذلك باستثناء السنة !!! . على الجانب الاخر من نهر الحظ هنالك سوء الحظ الذي خلده الشاعر السوداني ادريس جمّاع . وقد أصيب فيما بعد بلوثة عقلية ادخل على اثرها الى مستشفى في لندن وكانت الممرضة الانكليزية التي تسهر على رعايته قد حباها الله بعينين رائعتين كان يطيل النظر اليها فاشتكت الى مدير المستشفى فطلب منها ان تلبس نظارات سوداء ولما فعلت ذلك قال ادريس بيتا من الشعر : ما يشغل ذهني هذه الأيام هو تخيل ما كان يمكن ان يقوله ادريس جمّاع لو كان عراقيا وبكامل قواه العقلية و يعيش في العراق في هذه الأيام السوداء... اعتقد انه كان سيكتب شعرا عن سوء حظ العراق وقلة بخته بحكامه يجعلنا نبكي ونلطم حتى تتثلم اضلعنا ويتشقق جلدنا أسفا على هذا البلد الجميل الذي تقاسمه اللصوص والمعممون الدجالون.... بلد يرفع بعض من أبناء شعبه شعار يا لثارات الحسين ويقف عاجزا عن الثأر من حكامه المفسدين الذين يعيشون بين ظهرانيهم وهم لا يبعدون عنهم سوى أمتار قليلة في المزبلة الخضراء او بقية الأقبية والقصور في عموم المحافظات . رحمك الله يا أدريس جمّاع .. كم انت محظوظ اذ كانت اخر همومك في الحياة هو التعلق بعيون امرأة جميلة بكت تأثرا عليك.. ولم تكن عراقيا ترى بلدك يذبح من الوريد الى الوريد وتقف عاجزا عن القيام بشيء ما .
|