أيها العراقيون تظاهروا أفضل من أن تُهاجروا


أبدأ مقالي بالمقولة للمهندس والسياسي الفرنسي فرانسوا كليمان سوفاج (1814ـ 1872م)"ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئاً نناضل من أجله".
وحيثُ أن الجزء الفاعل من شعبنا الذي يتظاهر كل يوم تقريباً (وليس فقط أيام الجُمع) يعرف هدفه في الحياة وهو مكافحة الفساد وأدواته وإسترجاع أموال العراق المنهوبة مع المطالبة بالإصلاح الجذري للسلطات الثلاث والمجتمع برمّته، لذا فمن الأفضل على مَنْ يحاول ثنيه وتثبيط عزيمته من الذين تعودوا على اليأس وتعبوا من النضال بعد أن كانوا (مناضلين) في صفوف أحزابهم، أو من الناس المستكينين الذين لا فرق لديهم بين "حياة تسر الصديق أو ممات يغيض العِدا" أن يهاجروا الى أي مكان في العالم فيركبوا قوارب الموت أو شاحناته لتقذف بهم على الجانب الآخر من اليابسة.
فلربما نستطيع ايجاد الأعذار للكثير من أبناء الشعب العراقي ممن لديهم أسبابهم المعقولة لعدم مشاركتهم بالتظاهرات والتي قد تعطي الإنطباع الخاطئ لبعض المستفيدين من أعضاء الحكومة كالسيد باقر جبر صولاغ وزير النقل للتفسير الخاطئ حين ذكر بحديثه لأحدى القنوات الفضائية من ان عدد المتظاهرين القليل لا يوحي بان الشعب البالغ تعداده الخمسة والثلاثين مليون نسمة غير راضٍ على الحكومة!!، هكذا فهمها وزير النقل أو هكذا اراد تسويق بضاعته الفاسدة الى الشعب، مستهيناً ومستخفّاً بعقول المشاهدين وكأن الشعب ساذج وبسيط الى هذا الحد ليصدقهُ.
فهل تعودنا فقط ان نخرج (عنوة) بالملايين عندما تطلُبُ منّا السلطات الحكومية على مر الأزمنة لتأييد قادتها الضرورة الذين ذبحونا ولا زالوا يذبحوننا من الوريد الى الوريد، لكننا في ذات الوقت ننزوي في بيوتنا منتظرين (المعجزة) لطرد الفاسدين ومحاسبتهم عندما يعود الأمر لمصلحتنا كشعب، وحيثُ نبرر عجزنا في الدفاع عن مالنا وحياتنا الكريمة كباقي الشعوب بالقول "ماكو فائدة من التظاهرات".
أم ننتظر أحد القادة العسكريين ليقود وحدته ويذهب الى المنطقة (الصفراء) ليحيلها الى الحمراء وتعود سلسلة الأنقلابات العسكرية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن منذُ ثورة/إنقلاب الرابع عشر من تموز 1958م وما تلاه من إنقلابات عسكرية أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن؟؟؟.
او نستعين بالآلة العسكرية للمستعمر ونخرج الى الشارع لحظتها فرحين ومدمرين ما تبقى من (أنقاض) البنى التحتية للإحتفال لا أكثر، ولنثبت للعالم مدى جهلنا بطرق احتفالنا (بالثورات/الإنقلابات) الوطنية، ثمّ نعود لنشتكي من المحتل وافعاله داخل بيوتنا فقط ؟!!.
أقول للبعض المتردد في دعم التظاهرات: هل نسأل المصريين ليتظاهروا بدلاً عنّا حيثُ أثبتوا للعالم أجمع بَأسَهُم وشجاعتهم وحبهم لبلدهم مصر أكثر من حبنا لبلدنا؟، فقد تعودنا أن نرسل في طلبهم وقت الحاجة، فمرة ليَسُدّوا النقص بالأيدي العاملة لتوجه شبابنا الى حربٍ انتصرنا فيها اعلامياً ولم نحقق فيها اي إنتصارات على الأرض التي اعلنّا الحرب من أجل إستردادها، فبقي الحال على ما هو عليه قبل بدء الحرب، فقط أُضيفَ الى واقع الحال خسارتنا لأكثر من نصف مليون شهيد عراقي من خيرة شبابنا وأضعاف هذا العدد من المعاقين والأرامل والمرضى نفسياً. ومرة أخرى جاءونا إخواننا المصريين مع من جاء من التحالف الدولي لضرب العراق أبان حرب الخليج الأولى، وقبلها كنّا نستقبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مرّة كل ستة أشهر تقريباً (قبل أن ينقلب علينا في أسواق السياسة) لطلب التبرعات يوم كان " ظرف العراقيين مملي دبس".
وهل نبقى مستكينين نتشوى في الصيف شواءً بطيئاً للأشهر اللهابة من حزيران وحتى نهاية ايلول من كل سنة، ونئن تحت وطأة الشواء دون ان نصرخ لنُسْمِع أصواتنا حتى لجيراننا؟، ثمّ ننتظر الشتاء لتغرق بيوتنا بمياه المجاري الطافحة وزمهرير البرد القارس دون وجود الوقود الكافي الذي نبيعه لدولٍ أخرى ليتنعموا بدفئه، ام ننتظر الى ان "يقضيا الله أمراً كان مقضيا"؟.
لقد دأب المستكينون على خلق الأعذار لعدم مشاركتهم في التظاهرات وبالتحجج لعدم جدواها لقلّة المتظاهرين والخوف من إنتقام الميليشات التابعة للفاسدين (وتناسوا من أن قلّة المتظاهرين ناتجة عن عدم مساندتهم إخوانهم وأخواتهم في الخروج معهم)، لكنهم تناسوا ايضاً من أن إصرار هؤلاء الشجعان على التظاهر هو الذي أرعب السلطات الثلاث وأجبرهم على تغيير اساليبهم ومحاولتهم إرضاء المتظاهرين باصدارهم للأحكام القانونية ضد الفاسدين، ولو إن أغلب المدانين خارج العراق ومحميين بجنسياتهم المزدوجة، لكن بالتأكيد تستطيع الجهات التنفيذية جلبهم عن طريق الإنتربول أو بالتوقيع على الإتفاقيات الثنائية بين وزراء العدل (كما حصل قبل أيام عندما وقع وزير العدل العراقي إتفاقية تبادل المجرمين مع وزير العدل البريطاني).
 من ناحية أخرى يجب متابعة إسترداد الأموال المسروقة وعدم شمول هؤلاء المجرمين بأي قانون عفو يصدر لاحقاً لتفويت الفرصة على من يأمل في ترتيب صفقة خلف الكواليس بين المدانين من جهة والحكومة من جهةٍ أخرى لتسليمهم الى العدالة دون إسترجاع الأموال التي سرقوها، ثُمّ قضاء أشْهُر معدودة في السجن ذات الخمس نجوم ويُطلق سراحهم بعدها بعفو حكومي عام!!.
قيلَ سُئِلَ المهاتما غاندي لماذا لا يحب الشطرنج؟ أجاب: "لا أريد أن يضحي الجنود بحياتهم، فقط من أجل أن يحيا الملك"، والشعب العراقي بات منذ نهاية السبعينات من القرن المنصرم ولحد الآن يضحي بنفسه لحماية من هم على رأس السلطة.
فتحية لكل حنجرة تصدح للمطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد، وتحية للمرأة العراقية المساندة لإخوانها بساحات التظاهر وحثّهم على الخروج للتظاهر من أجل حياة حرّة كريمة، والأسف كل الأسف على (شيوخ) بعض العشائر الذين يدفعون بعشائرهم للخروج لإنتخاب مسؤول فاسد ويحجمون عن دفع عشائرهم للدفاع عن مالهم الذي يُسرق في وضح النهار وأمام أعينهم من لصوص المافيات، فالشيخ ليس بالعقال والغترة والعباءة المطرّزات بخيوط من الذهب!!، وإنما بصفاته وشجاعته ونُبله كفارس يقود عشيرته الى بر الأمان والحياة الحرّة الكريمة وبوطنيته وغيرته في إرساء العدالة وقول كلمة الحق.