حينما يفقدون البوصلة

 

من المؤسف حقا ، ان تكون مسألة العلاقة بالشعب الكوردي وبأقليم كوردستان مع الحكومة الفيدرالية و"دولة القانون " الحاكمة خاضعة الى تصريحات اشبه ب"الفتاوى" من قبل اركان هذه الحكومة ، وهذه التصريحات عادة تكون مملوءة بتعابير غير لائقة سياسيا ، وتشبه شيئا من الشماتة ، او اثارة للراي العام العراقي ضد حكومة اقليم كوردستان بل وضد الشعب الكوردي.

والنغمة الجديدة لقيادات "دولة القانون" اصبحت ، وعلى المكشوف ، تتحدث عن الكورد بدرجة غير منطقية على الاطلاق ، وكأنهم ، امتلكوا كل اليقين ، واصبح صولجان الحقيقة بيدهم لوحدهم ، وان الكورد لم يعودوا الا جماعة من الفوضويين و عصابات عملها الابتزاز لا غير" هكذا..!" ..تعالوا ولنقرا بعض ما تفتق عنه ذهن النائب عن ائتلاف دولة القانون عزة الشابندر ، وهو أحد المقربين من السيد رئيس الوزراء ، الذي شن حملة من الكلام غير المنطقي نشر في جريدة "الشرق الاوسط" وكان كلاما مناوئا في جوهره للاسس التي قام عليها العراق الجديد بعد اسقاط الدكتاتورية ، فقد اعتبر الشابندر أن "بغداد هذه المرة تختلف عن كل مرة، حيث إنها لم تعد مستعدة لاستمرار الابتزاز الكردي " هكذا!" اي ان بغداد لم تعد بغداد ما بعد اسقاط الدكتاتورية ومواثيق الشراكة الوطنية ، و الغريب انه تحدث عن التزامه ب "سقف للدستور" وهم كلهم ، اي المقربين من رئاسة الوزراء ، بل وحتى السيد رئيس الوزراء نفسه في تصريحات سابقة تحدثوا علنا عن عيوب في الدستور .. فهل يعني هذا" السقف" موادا مختارة من قبلهم ؟ وماذا عنوا بالعيوب او النواقص ، هل يعنون بها فقط المواد التي اقرت للكورد ببعض حقوقهم وبالفدرالية !؟ ام ماذا؟.

وقال الشابندر إن "المسألة الكوردية يجب أن تحسم ولم تعد موضوعا قابلا للمساومة أو التسويف""!"، مشيرا بشكل غريب حقا إلى أن "قسما من مطالب الكورد واضحا ومعلنا، والقسم الآخر لم يعلن، ولكنه واضح بالنسبة لنا". طيب ،اذا كان "القسم الاخر غير المعلن - حسب ادعائه - واضحا لهم " لماذا لا يعلمون الاخرين به ، وما هو موقفهم منه اذا كان فعلا هناك قسم اخر واضح وهم قد اكتشفوه؟ هذا من جانب ، ومن جانب اخر فالكورد ايضا يريدون ويرغبون بصورة اكيدة في حسم مسألتهم ، وقبل ان يمضي الشابندر في اقواله عليه ايضا ان يكون مع ائتلافه مستعدين للاجابة على السؤال الذي طرحه عليهم الرئيس مسعود بارزاني قبل فترة وهو هل أنهم يؤمنون بأن الكورد شركاء في حكم العراق اولا ؟

فاذا كانوا شركاء ، فالذي تمارسه دولة القانون لا يدل على فهم حقيقي لمبدأ الشراكة ، وان لم يكن الكورد شركاء فعلى جماعة الشابندر ان يقولوا ذلك بصريح العبارة، على الاقل "ليتدبر" الكورد وضعهم. وقال الشابندر أن "القشة التي قصمت ظهر الجمل وأدت إلى الانسحاب والمقاطعة هي نتائج الديمقراطية، حيث إنه ما لم يتم التصويت على شيء لصالح الإخوة الكرد، فإنهم يزعلون أو ينسحبون مثلما حصل عند التصويت على الموازنة" ...ماذا هل يضحك السيد الشابندر على عقول الناس ، اية ديمقراطية يتحدث عنها ،واي "جمل.." واين هي تلك "القشة .." ؟هل يعتقد ان اوضاع اقليم كوردستان وحقوق الشعب الكوردي يمكن ان تخضع لمبدأ الاكثرية والاقلية ؟ هل يريد ان يقول ان مصير شعب كوردستان سيكون تحت رحمة مندوبيهم في البرلمان العراقي الاكثر عددا بطبيعة الحال من عدد النواب الكورد ؟ يبدو انه اساسا لا يفهم جوهر القضية الكوردية ...هل نسي بان الامر اذا كان بهذا الشكل فان شعب كوردستان هو الذي سيقرر الحسم لوحده لان الامر حينها سيخصه وحده ، اما اذا كان جزءا من العراق ، فلن يكون مبدأ الاكثرية والاقلية مقياسا لمعالجة الخلافات مع كوردستان ، بل وحده مبدأ الشراكة في الحكم ولا غيره. والشراكة الحقيقية وحدها التي ستجعل العراق محصنا واجمل واكثر عدالة وليس كما ذهب اليه السيد الشابندر ، هذا اذا كانوا قد فهموا جوهر القضية الكوردية.

فقد وصف الشابندر هذه الشراكة وصفا اعتمد فكرا معوقا في الفهم ، اذ اعتبرها "شراكة مؤقتة، غايتها استكمال ما يمكن استكماله من مقومات الإعلان عن دولة كوردستان" مضيفا ان "الكورد ليس بوسعهم الانفصال، بل هم أمام خيارين إما البقاء ضمن إطار الشراكة مع العراق أو الالتحاق بتركيا، حيث إن تداعيات ما يجري في المنطقة بدأت تؤثر في هذا الاتجاه" ومتهما الرئيس مسعود بارزاني في تخريجة غبية بانه اختار الشراكة مع تركيا كبديل عن عرب العراق". طبعا هذا الكلام لا يحتاج الى اي تعليق ، لانه معلوم من اي مكمن مريض يهب ، و الكورد لم يتعودوا ان يفكروا بالطريقة التي يفكر بها هو وبعض اركان الحكم . فالكورد يديرون صراعا قوميا وليس صراعا طائفيا او دينيا..الكورد يختلفون عنهم تماما في فهم واقع الحال ..واخيرا وفي رايي المتواضع أن التفكير بدولة كوردستان ليس جريمة ، بل هو تفكير نابع عن واقع حال شعب كوردستان ، وللكورد ان يفكروا بمنع اي انفالات اخرى ، ولهم الحق ان يؤسسوا لمستقبل امن لاجيالهم اللاحقة ...ام ان هذا الكلام يزعج مباديء الاخ الشابندر.!