في بيتي... 9 و7 نيسان

 

سجنني صدام بسبب 9 نيسان! عام 1981 كنت اؤدي خدمة الأحتياط حين رُزقت بأبني الذي سميته ( نورس ) تيمناً بالطائر الجميل بعد إسبوعين اُستدعيت من قبل الإستخبارات العسكرية من وحدتي لأقف أمام ضابط التحقيق الذي قذفني بأول أسئلته صار عندك ولد ؟؟. بإبتسامة عريضة وفرح أجبته بنعم. طرح السؤآل التالي. متى حدث ذلك ؟ الجواب. قبل إسبوعين سيدي. السؤآل. قل لي التاريخ يا غبي !؟ الجواب. 9 نيسان سيدي. السؤآل. وماذا سميته ؟ الجواب. نورس. سيدي. السؤآل. ولماذا سميته بإسم عنصري كردي؟ الجواب. الإسم ليس كردياً سيدي، بل هو عربي وموجود في كتب دراسة الأحياء في مدارسنا. كنت أرى منظره الجميل من نافذة غرفة وظيفتي المطلة على نهر دجلة وهو ينزل كالصاعقة في مائه لإلتقاط الأسماك. هنا غضب السيد المحقق وصرخ بوجهي قائلاً. إبن الكلب. كردي وتريد أن تعلمني لغتي العربية... عندها ناول الحارس سيكارة كانت بيده وهو يقول له. إطفأها. ويشير نحو ظهري. فعلها الحارس ولازالت أثرها تذكرني بها.. كان يجلس بجوار ضابط التحقيق آخر أقل منه رتبة. ربما كان مساعده. همس في أذهن سيده بشيء ما يبدو أنه صحح له المعلومة وإذا به يجيبه بصوت عال. لا.. إنه كردي شيعي مراوغ. يمارس التقية. فقصده في( نورس) هو( نوروز ).!!. عيد عبادتهم للنار.!. وعاد ليسألني. ولماذا لم تسميه بإسم آخر ؟!. الجواب. لقد أحببت إسم نورس سؤآل. ولا تحب إسم ( عُدي ) او ( قصي ).؟. عنئذن أدركت القصد من إستجوابي حيث كان الكثير من ( اللكَلكَية ) يسمون موالديهم بإسميهما وأبوهما إذا ولدوا في تاريخ 7 نيسان مولد حزبهم البعثي الفاشي فيحصلوا على العطايا... أجبته. سيدي. إن نورس ولد في 9 نيسان وليس 7 نيسان. وأنا آسف للتأخير ( الجملة الأخيرة ) لم أقلها كي لا أذهب إلى الجحيم... سؤآل. إلا تعلم بأن شهر نيسان مبارك حيث ولد فيه الحزب وقائده لذا نعتبره شهراً مقدساً ؟. الجواب. لقد نسيت سيدي. وأنا أتمتم في داخلي. وماذا عن 1 نيسان وأكاذيبه... هنا صرخ بيّ.( إنجب ). وأعطى أوراقاً لجالسه وهو يقول. خُذوه..... أغلقوا عيناي بقطة قماش ودفعوني داخل سيارة لتسرع وهي تطلق صفارة الإسعاف !! بعد أقل من نصف ساعة وقفت السيارة وأنزلوني منها وما زالت عيناي معصوبتان. وصرخوا بيّ. هرول. فهرولت لأتدحرج من على أعلى الدراج إلى أسلفه حيث غرفة السجان ليقول لي. شنو. أعمى أنت حتى ماتشوف الكَدامك ؟!. لم أجب. سمعت السجان يقول لمأموري بعد أن قرأ أوراقي. لماذا أتيتم بيه إلى هنا. ألا تعلموا بأن هذا المكان فقط للذين قضاياهم هي الأعدام ؟.! أجابه المأمور. نعم سيدي. ولكن اليوم خميس والدوام فيه ليس كاملاً لذا أرتأينا أن نضعه عندكم ليوم السبت حيث نجد له مكاناً مناسباً.. نادى السجان إلى أحدهم وطلب أخذي للغرفة رقم 17. قطعة القماش لم ترفع من على عيني حين صاح الجندي المكلف بأخذي إلى الزنزانة. إلى اليمين در.. هرول وإذا بي أرتطم بقوة في الحائط لينزف من جبيني الدم. علت أصوات الجميع بـ(أعمى مايشوف)... فتحت باب الزنزانة. دفعوني إلى داخلها. بعد أن نزعوا الخرقة من على عيني. لأجد 13عسكرياً من شتى الرتب بداخل الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها على 2x2 متر مربع.. الجميع جالس على شكل القرفصاء لضيق المكان فكيف النوم إذن. كان ذلك سؤآلي للمسجونين فجاء الجواب. على نفس الشاكلة لو أستطعت النوم !!. أطل يوم السبت ولم يأتي أحد لأخذي كما وعد المأمور، السجان. مرت الأيام. كل يوم ينقص العدد بتنفيذ حكم الأعدام بهم بعد أسبوع خلت الزنزانة إلا مني فسمعت السجان ينادي بإسمي ليضع قطعة القماش على عيني ثانية ويكبل يديّ بالأصفاد مع سلسلة طويلة جرني بواسطتها المأمور لأخذي إلى سجن الحارثية ومن هناك لوحدتي حيث أطلق سراحي ومنحت إجازة لمدة إسبوع من آمري لأقرر عدم العودة والهروب مع عائلتي إلى إيران ومن ثم السويد.. شهر نيسان عام 1998 جاءني نداء تلفوني وأنا في مكان عملي يدعوني إلى الذهاب للمستشفى التى نقلت زوجتي إليها لغرض الولادة. بسرعة فائقة وصلت اليها لأجدها تصرخ من الألم وأنا أصرخ بها. أرجوك. لا اليوم. لا اليوم. تحملي لأجلي. لا تلدي اليوم.. أخت زوجتي المتواجدة معها. صاحت بي. ماذا دهاك. ولماذا هذا الطلب الغير معقول ؟!. أجبتها. ألا تعلمي بأن هذا اليوم لا أحبه كما كل الشعب العراقي. إنه 7 نيسان. أجابتني. صدق إنت بطران.. لقد جاء رغماً عني ذهبت إلى إدارة المستشفى ليضعوا غير هذا التاريخ كميلاد له. قبل او بعد 7 نيسان. إستغربوا من طلبي ورفضوه لأنهم يسجلون التواريخ بالساعة والدقيقة واليوم. لا كما غالبية الشعب العراقي ( 01 / 07 ) حسب رغبة الحكومة... الآن. ألم يكن ضابط التحقيق في قضيتي يعلم الغيب حين أمر بسجني. ربما لقراءته قصة فرعون مع موسى فصار 9 نيسان يوم خلاص العراق من طاغوته ليكون عيد ميلاد نورس هو نفس يوم فرحة شرفاء العراق بسقوط من جعل تواريخ قساة الدنيا فصلا قصيراً في موسوعة جرائمه.. أما ولدي الذي ولد في 7 نيسان فقد أدرك سبب أحتفاءنا الكبير بيوم ميلاد شقيقه لذا طلب منا منذ عامين، دمج عيده مع يوم ميلاد أخيه الكبير. كل 9 نيسان...