العراق من الملكية الى الجمهورية والمعاناة مستمرة ــ 2 ــ

هنالك شخصيات سياسية دخلت تاريخ العراق وكان لها التاثير المباشر في مجريات الحياة السياسية في العراق وغيرت الكثير من الامور والمفاهيم لتصب في مصلحة فئة معينة على حساب اخرى وتكون النتائج مأساوية وعواقبها وخيمة نتيجة الفهم الخاطيء للامور او لمصلحة دولة عظمى او دول اقليمية لديها احقادها التاريخية تجاه الاخرين وحولت المسار لصالحها ليبقى العراق مسرحاً للصراعات والضحية هو الشعب العراقي .

احدى هذه الشخصيات هو مولود مخلص التكريتي الذي سهل دخول البعض من اهالي تكريت الى القسم التمهيدي ليدخلوا بعدها الكلية العسكرية بعد ان اقنع وزير المعارف انذاك متخطياً الشروط التي وضعت لهؤلاء بعدم قبولهم فيها لانهم كانوا من المعلمين الذين تم تعيينهم في تكريت لمدة ست سنوات ولم تكن الفترة قد انقضت ولان المدارس التي كان هؤلاء فيها لديها معلم واحد لا غير وان ترك المدرسة سيتسبب في غلق هذه المدارس لقلة المعلمين حينها ولكنه اصر ودخل هؤلاء المعلمين الى القسم التمهيدي في الوقت الذي منع اخرين من دخولها ! وقد قرر الملك فيصل الاول في فترة حكمه اواخر العشرينيات ان يفتتح قسماً تمهيدياً لأبناء العشائر او غيرهم ممن اكملوا الدراسة المتوسطة او ما يعادلها ولم يكملوا الدراسة الثانوية لعدم توفر مدرسة ثانوية في مناطقهم ومدة الدراسة سنتين لاعدادهم لدخول الكلية العسكرية والهدف هو ربط العشائر ولاسيما الشيعية منها بالجيش ، وحين سأل عن سبب قبول عدد محدود جداً لايتجاوز اصابع اليد لم يصله الجواب الصحيح وهذا ما قاله بوضوح من كتابه الذي ارسله الى وزارة الدفاع .




وهكذا اتيحت فرصة ذهبية لهؤلاء المعلمين الشباب من اهالي تكريت دخول الكلية العسكرية في الوقت الذي لم تتاح هذه الفرصة للكثيرين من العراقيين اللذين كانوا يريدون الدخول في هذا القسم والاستفادة من هذه الفرصة ، ومن هؤلاء اللذين استفادوا من تدخل مولود مخلص التكريتي احمد حسن البكر وطاهر يحيى وغيرهم من التكريتيين اللذين اصبحوا فيما بعد من البعثيين الذين عبثوا بالعراق ودمروه بعدما استلموا السلطة مستمرين بنفس الروح المذهبية المقيتة وراح ضحية تفكيرهم هذا الكثير من العراقيين الشرفاء وهدرت ثرواته من خلال الحروب والرعونة والغباء .


وبعد تاسيس حزب البعث المشؤوم وبعد تخرجهم من الكلية العسكرية انتمى هؤلاء اليه واصبحوا بعدها هم المسيطرين على هذا الحزب ودخلوا المعترك السياسي يفضلون ابناء مدينتهم تكريت وينظرون الى الاخرين بعين الشك وعدم الطاعة والولاء ، وكان لخير الله تلفاح الدور الكبير في تقريب الرئيس العراقي المقبور صدام حسين التكريتي من الرئيس احمد حسن البكر وتشجيع شباب تكريت بالالتحاق بالكلية العسكرية والسيطرة على الجيش العراقي لتكون تحت سيطرتهم الكاملة والوصول لاهدافهم المرسومة للسيطرة على الحكم من خلال الانقلابات العسكرية .

وشارك هؤلاء الشباب التكريتيين الاخرين من سامراء والفلوجة وغيرها من مدن المنطقة الغربية من خلال الانضمام للكلية العسكرية واصبحت هذه الكلية وكأنها حكراً على فئة معينة دون اخرى وتمت معاملتهم على انهم ليسوا بالكفاءة التي يمكن ان تجعلهم عسكريين ويحملون الرتب العسكرية ويكونوا قادة ميدانيين ويديروا المعارك .

ولم تقتصر هذه العقلية المذهبية والقومية على العسكريين فقط بل وصلت للمدنيين ايضاً وكانوا هم المفضلين في المناصب الرئيسية في البلاد ومن اصحاب القرار ، فعندما سيطر حزب البعث الفاشي على السلطة سنة 1968 كان اعضاء مجلس قيادة الثورة من المنطقة الغربية وحتى اللذين ولدوا في بغداد فأصلهم منها من احمد حسن البكر ( ضابط في الجيش ) وصدام حسين ( متفرغ حزبي ) وحردان عبد الغفار التكريتي ( ضابط طيار ) وصالح مهدي عماش ( ضابط في الجيش ) وحماد شهاب ( ضابط في الجيش ) سعدون غيدان ( ضابط في الجيش ) وعبد الله سلوم السامرائي ( معلم ) وصلاح عمر العلي ( موظف بلدية ) وشفيق الكمالي ( معلم ) وغيرهم .



هذه العقلية الشوفينية المقيتة هي التي اوصلت العراق الى ما هو عليه الان بحيث اصبح العراق مقسماً قومياً ومذهبياً والفوضى العارمة التي تجتاح البلاد والتقوقع المذهبي والطائفي اصبح من السمات الرئيسية للشعب العراقي بحيث اصبح الشيعي العراقي يخاف ان يتواجد في المناطق السنية والعكس صحيح وحتى اصبحت المدينة الواحدة مقسمة على هذا الاساس والساسة العراقيين سنة وشيعة لايحاولون ولو لمرة واحدة ان يجدوا السبل الكفيلة للخروج من هذه الخنادق المرعبة التي راح ضحيتها الكثير من الشعب العراقي وصار الجلاد والضحية في نفس الخندق المظلم .