جاء لقاء عدد من متظاهري ساحة التحرير بالسيد حيدرالعبادي للتفاوض بشأن مطاليب المظاهرات ، ليؤكد مظاهر الإرباك التي تسود الساحة السياسية ، وتحديدا في صفحة المعارضة وموقفها من المشروع الإصلاحي المزعوم . حصل اللقاء في سياق خاطيء وسلبي أضر بالمظاهرات وسمعتها ولم يعط لها زخما ً كما أراد الحاضرون حسب تقديري ، والسبب ، ان دعوة العبادي جاءت بينما المظاهرات تدخل شهرها الرابع ، وبعد ان فقدت جذوتها وتاثيرها في الشهر الأول ، واصبح تكرارها مادة تشغل الفضائيات وتلبي كبرياء عدد من المتظاهرين أكثر من اي معطى آخر . التفاوض وماطرح فيه ،حسب البيان الذي نشره الزميل الناشط احمد عبد الحسين ، اشتمل على جملة مطاليب ، بعضها بنيوية واخرى تتصل باجواء التظاهر وساحة التحرير ، ومن يقرأ هذه المطاليب جيدا ً يجد سيادة لغة الحلم والشعر ومشاعر الوهم ومزاجية لحظة اللقاء، وليس النظرة العميقة في قراءة وضع السيد حيدر العبادي وقدراته على الفعل والواقع الذي ترشح منه للرئاسة ، والظروف التي جعلت اختيار العبادي بدل نوري المالكي تنجز صفقة التسوية . السيد حيدر العبادي قالها في اكثر من مناسبة بأن التغييرات الجذرية لايمكن ان تتحقق في ظل احكام الدستور ومبدأ المحاصصة ورأي الشركاء السياسيين ، ومطالبته بهذا الوقت في التخلي عن المحاصصة وتحرير الهيئات المستقلة هو ضرب من ايهام النفس ، خصوصا اذا ماتذكرنا بان العبادي اعطى (قبل اشهر قليلة ) عدد من هذه الهيئات المستقلة تحديدا لممثلي حزب الدعوة ودولة القانون . لااشك بنوايا المتفاوضين واخلاصهم الوطني وحميتهم الذاتية على ماوصلت اليه اوضاع البلاد من مأساة صارخة ، لكن السياق الطبيعي لهذه الحركة ينبغي ان يعلن في ساحة التحرير ويتفق على شروط وسقف زمني يعلن فيه التفاوض وتقدم فيه تعهدات ، لكي يلمس المتظاهر نتائج محددة وليس مطاليب مطلقة صاغتها ظروف احتلال ومصالح احزاب ودول وكارتلات كبيرة مهيمنة على السياسة والإقتصاد . ينبغي ان ندرك بان الإشكالية السياسية في العراق وتعقيداتها البنيوية وحضور الإرادات الدولية في الملف السياسي وشروط التغيير ، هذا ملف كبير ومعقد ويرتهن لأدوار دولية ، وإذ لانبخس دور الجماهير بكونها قوة ضغط وتأثير تعطي لم ينظمها ويستغلها غطاء من شرعية إعلامية ، وحين نتذكر بأن السيد حيدر العبادي قد مُنح التفويض الشعبي والتظاهرات في أوجها ، كما منح تأييد المرجعية الدينية في النجف ، لكن العبادي أحجم عن استغلالها حتى في اعادة ترتيب مكتبه الخاص ..! فكيف نطالبه بتغييرات بنيوية كبيرة ونحن نجلس معه للتفاوض بطريقة الموظفين الذين يستمعون لإرشادات وتوجيهات رئيس العمل . السؤال الآن هل نستمر بالمظاهرات ..؟ الجواب ؛ نعم ولكن بمطاليب محددة وغير تعجيزية وبسقف زمني ينتهي بالإعتصام السلمي ، ثم العصيان المدني ، وبعده بالإضراب العام حتى نرغم الحكومة والدولة على الطاعة ، فأذا تمكنا من هذا فلتستمر المظاهرات في إطار سياسي شعبي وفق أهداف سياسية ممكنة . تقول الحكمة المجرّبة " لاحركة ثورية دون نظرية ثورية " والحركة اذا تستدعي ثوار احرار ، فأن قيادتها تحتاج لسياسيين بلغوا سن الرشد والحكمة .
|