ثلاثة ملايين؟ سبعة؟ احد عشر ؟

ُيستحسن قراءة بعض الأشياء والمرء جالس بين مسندين. ولا يكفيان. كنت طوال سنوات مولًعا بالسينما٬ لكن لم يخطر لي مرة٬ حتى على سبيل الفضول٬ أن أشاهد أًيا من أفلام الرعب. فقد كان هناك الكثير منه في الحياة: رجل مقطع الأطراف يستعطي على الرصيف وليس له يد يمّدها. صوت امرأة في الجوار يضربها زوجها٬ أو قتلى الصفحة القضائية في جريدة «الصباح». في القانون الجنائي٬ هناك جرائم العمد٬ والجرائم غير المعّدة. مجرم بالقصد٬ أو قاتل بالصدفة. الضحية ضحية٬ هنا أو هناك. تزداد فظاعة أمور خلف كل تصور٬ عندما يكون القتلة والضحايا دولاً وأمًما. عندما يعد هتلر لحرب يعرفُمسبًقا أنها تنافس مع الجحيم. عندما لا يرّف جفن لبول بوت وهو يخطط لقتل واقتلاع وتعذيب مليوني شخص من أهله ووطنه وشعبه٬ أو من شعب سواه. في كتاب «الحرب» يروي المؤرخ أيان موريس أنه خطر لبعض السياسيين الأميركيين بعد الحرب الثانية تركيع الاتحاد السوفياتي. وكان رأي البعض أنه من «الأفضل» شن حرب نووية من جانب واحد قبل أن تحصل موسكو على القنبلة. وحسبت رئاسة الأركان المشتركة عام 1948 أنها إذا أسقطت 133 قنبلة فوق المدن السوفياتية فسوفُيقتل 3 ملايين إنسان. لكن البعض اعترض: لن يكون العدد كافًيا لتدمير دول استطاعت الصمود رغم قتل 25 مليوًنا في الحرب! حتى 1952 كانت أميركا قادرة على إجراء تفجير نووي يساوي 700 مرة قنبلة هيروشيما. لكن خلال هذا الوقت كان السوفيات قد طّوروا قوتهم الرادعة. عام 1953 قال الرئيس دوايت آيزنهاور لمجلس الأمن القومي إنه لا معنى لإلحاق الضرر الجسيم بالقوة السوفياتية: «إما أن نرمي عليهم كل ما لدينا٬ وإما لا معنى لأي خطوة أخرى». فعلَّق أحد الأعضاء: «عندها نستطيع خلال ساعتين أن نحول الاتحاد برمته إلى دخان متصاعد»! كأنك تبحث مع زوجتك حول أفضل مدرسة ترسلان إليها الأولاد. غير أن عضًوا آخر في المجلس ذّكر المجتمعين بأن في إمكان السوفيات الُمرَّمدة منازلهم إسقاط مائة قنبلة ذرية تقتل 11 مليون أميركي. «لا٬ في هذه الحالة يجب أن نتمّهل»٬ قال آيزنهاور. من الِنعم البشرية أن الإنسان يتمتع ببعض خصائص الحيوان. إذا كنت تشاهد برامج «ناشونال جيوغرافيك» عن حياة الغابة٬ فسوف تلاحظ أن الحيوانات المتصارعة تزن خصمها أولاً. تهجم٬ ثم عندما ترى أنه أقوى منها٬ تتراجع وتلف ذيلها وتمضي! غالًبا٬ بحًثا عن خصم أضعف.