حذاء صدام يقول: لا تفرحوا |
لسنا مجموعة من العميان حتى ندرك أن ما جرى خلال العشر سنوات الماضية مقطوع الصلة بما جرى أيام حقبة " القائد الضرورة "، وأن سلوكيات العديد من مسؤولينا ليست بعيدة عن نظام دولة المخابرات ودهاليزه السرية لعل ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل أثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز، وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد سقوط تمثال " صدام " فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، المشهد العراقي بعد عشر سنوات عجاف يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة، ولعل أبرزها هو: ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من دكتاتورية صدام ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام دكتاتوريات القتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين؟ ما معنى أن نجد مسؤولين كانوا نائمين معظم سنوات عمرهم في فراش نظام " القائد الضرورة " ثم يدعون أنهم أصحاب التغيير وحراس الديمقراطية، ما معنى أن يدخل الجميع في صفقة لتجميل الوجه القبيح لدكتاتورية بشار الأسد، ما معنى أن يصرّ المقربون من رئيس الوزراء على اتهام محالفيهم في الرأي بأنهم ينفذون أجندات خارجية؟ لم يكن العراقيون يتصورون أن تضحياتهم في سبيل الخلاص من دكتاتورية " القائد المؤمن ووصاياه " يمكن أن تفرخ دكتاتوريات جديدة، وأن مسؤولين جاءوا على ظهور دبابات الديمقراطية يصابون اليوم بحالة من الدروشة كلما سمعوا كلمة دولة مدنية. هل تغير شيء؟ الواقع يقول إن الناس كانوا يأملون أن يعيشوا في دولة قانون يتساوى الجميع أمامها، فاذا هم في مواجهة دولة لها أكثر من قانون يشجع على جرائم النصب والاحتيال واستغلال المنصب وترهيب الناس وقتلهم على الهوية. الناس تصوروا أن الديمقراطية ستقدم إليهم ساسة يسعون إلى بناء مؤسسات حديثة، وسيبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في فنون السرقة واللعب على الحبال، واعتقدوا أن الذين جاءوا باسم المحرومين والمظلومين لن يتحولوا في ليلة وضحاها إلى أغنى طبقات المجتمع، وأنهم سيصدعون رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم ينتهكون القانون في وضح النهار.. هل تغير شيء؟ الناس كانوا يأملون أن يجدوا ساسة منشغلين بالبحث عن الرفاهية والعدالة الاجتماعية، فإذا نحن أمام ساسة مهووسين بالبحث عن شرعية دينية تبيح لهم نهب البلاد واضطهاد العباد. سيقولون لنا إن نظام صدام هو سبب كل المأسي، وينسون أن الأميركان اسقطوا تمثال صدام منذ عشر سنوات، على أمل أن يعيش العراقيون في ظل نظام جديد يؤمن لهم الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية، هل تغير شيء، هل أدى النظام السياسي الجديد ما عليه، هل أوفى الساسة بوعودهم التي قطعوها للناس، هل فتح قادتنا الملهمون طريقاً واحداً يتلمس منه الناس أن أهدافهم من التغيير قد تحققت. هل تغير شيء؟ بعد عشر سنوات، نجد اليوم من يمارس نفس الطغيان، ويجد العراقيون أنفسهم أمام عملية استعادة للممارسات ذاتها التي كانت السبب في خراب البلاد، وأن الصمت يحولها يوماً بعد آخر إلى منهج، تبدو من خلاله حكوماتنا العتيدة كأنها نسخ من حكومات ما قبل 2003. لقد بات واضحاً أن حلم العراقيين بالديمقراطية والممارسة السلمية لانتقال السلطة الذي بدأ مع إسقاط تمثال صدام قد أجهض وإلى غير رجعة، والسبب قوى سياسية ضحكت ومازالت تضحك على الناس بشعارات مضللة، كان العراقيون يأملون من هذه القوى أن تنهض بحياتهم، وتشرّع قوانين تمنع سرقة المال العام، وتمنع المسؤولين من تزوير شهاداتهم، تمنع تحويل مؤسسات الدولة إلى ملكية خاصة، والأهم قوانين تحترم عقول وإرادة العراقيين. هل تغير شيء؟ لقد سقط التمثال وبقيت ذيوله وأشباحه، فيما حذاؤه يطل علينا من ساحة الفردوس ليؤكد أن العديد من مسؤولي اليوم يستحقون بجدارة لقب "ظل صدام". الصورة بعد عشر سنوات تقول إن لدينا رئيس وزراء لا يريد أن يغادر زمن "معارك المصير " ولدينا حاشية لاتزال تمارس وظيفة أحباب القائد. أيها العراقيون إنتبهوا: صدام رحل لكنه مازال في عقول مسؤوليكم وساستكم، وأن حذاءه يقول: لا تفرحوا فالفرق ليس كبيراً... |