الفساد يطوف فوق مياه الأمطار المتساقطة


تناقلت وكالات الأنباء أخبار الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة بغداد والمحافظات العراقية الأخرى خلال اليومين قبل الأخيرين من نهاية شهر تشرين الأول (28ـ29 تشرين الأول)، والتي كشفت بلا أدنى شك ما وصل اليه الفساد من إهمالٍ للبنى التحتية وأولها الصرف الصحي الذي كان للعراقيين الأوائل منذ زمن البابليين شرف التصميم والإنشاء لأول نظام للصرف الصحي في العالم، حيثُ أثبتت التنقيبات على انه لا يزال بحالة جيدة يمتد الى مسافات واسعة في منطقة بابل الأثرية.
لقد غرقت أحياء كاملة في بغداد والمدن العراقية الأخرى بمياه المجاري الطافحة ومياه الأمطار التي جرفت معها كل انواع الميكروبات والأمراض المُعدية، خاصة وان العديد من المستشفيات التي تعالج حالات الأصابة بالأمراض الوبائية مثل الكوليرا قد غرقت طوابقها الأرضية مما يعطي إحتمال إنتشار تلك الأوبئة بسرعة وعبر المياه الى مناطق واسعة من العاصمة والمدن العراقية الأخرى وعندها لا قدر الله سيحدث ما لا يُحمد عقباه ويخرج الأمر من دائرة السيطرة على الموقف في تقويض إنتشار تلك الأمراض الفتاكة.
إنّ ما يحدث من فساد في مجال صيانة وتحديث البنى التحتية يدخل في مجال الإتهام المباشر لرؤوس الفساد بالإبادة الجماعية للشعب العراقي، فعدم وجود الكهرباء والماء الصالح للشرب وعدم وجود شبكة حديثة للصرف الصحي وعدم تجهيز المستشفيات بالمستلزمات الطبية الضرورية يضاف اليها عدم إستقرار الوضع الأمني داخل المدن، جميعها تدخل في مجال الإبادة الجماعية للشعب العراقي.
يقول الكاتب الساخر والفيلسوف الإيرلندي المولد/البريطاني الجنسية جورج برنارد شو: "مأساة العالم الذي نعيشُ فيه تكمن في أنّ السلطة كثيراً ما تقع في أيدي العاجزين"، وفي بلادنا السلطة دائماً بيد العاجزين.
لقد أظهر سقوط الأمطار بالكميات المعلنة (65 سنتيميتر) وبفترة قصيرة نسبياً كما اعلنت عنها الأرصاد الجوية عجز وتقصير الجهات المعنية من أمانة بغداد ومجالس البلديات في المحافظات عن أداء مهامها وعدم مهنيتهم، حيثُ كان من المفترض ان تقوم تلك المديريات بعمل الصيانة الدورية قبل بدأ فصل الشتاء لتنظيف شبكات الصرف الصحي وتصليح التخسفات في خط الأنابيب وصيانة المضخات التابعة له، لا ان تنتظر الى ان تدخل المياه الى دور المواطنين ثمّ يَهمُ الغيارى من أبناء الشعب من أمثال رجال المرور للدخول في المنهولات بلباسهم الرسمي لفتح وتنظيف شبكات المجاري في مناطق تواجدهم لتنظيم المرور!!، أو يتبرع مقاول لإستنفار معداته وعماله لإنقاذ مناطق بغداد من الغرق!!، فأين هم منتسبوا أمانة العاصمة وهل وضعت (الدكتـــــــــــــــــورة) ذكرى علوش اي برنامج عمل لفصل الشتاء، وهل إستنفرت منذ زمن منتسبيها وآلياتهم  وهي العالمة بما قد يحدث أو لربما لا تعلم ما سيحدث وهذه الطامة الكبرى، فهي "خير خلف لخيرِ سلف"، فقد أصمّ المديح الذي كاله لها خلفها عبعوب (حين سلّمها الراية) آذانها وأعمى بصيرتها في التفكير بمهنية المهندسة المدنية التي يقع في صلب إختصاصها نظام الصرف الصحي ومشاكله، فهل من المعقول أن يقوم رجال المرور بعملها وعمل منتسبيها، وهل من المعقول ان (تشرف بنفسها) على تصليح التخسفات في خط الصرف الصحي والتي لا تتجاوز المئتي متر في منطقتي الوزيرية والشيخ عمر بعد أن وقع الفاس بالرأس؟!!، وبعد أن خسر المواطنون ممتلكاتهم وحاجياتهم التي أتلفتها مياه الأمطار؟، خاصة وإنهم بالكاد إستطاعوا تأمينها لمعيشتهم عبر العمل الشاق لسنوات طويلة، فهل ستكون د. ذكرى علوش مسؤولة عن أية تعويضات بشرية او مادية للعوائل المتضررة بسبب إهمالها وفساد منظومتها؟، وحيثُ كان من المفروض أن يكون سقوط الأمطار نعمة على الشعب العراقي وليس نقمة، فهل ستشعر بالذنب عند رؤيتها للعراقيين وهم يغوصون في مياه الأمطار للتنقل بين أحياء العاصمة؟، واذا لا يهمها غضبهم فأين ستذهب من غضب الله!!.
لقد كنتُ أشاهد لحظات استلامها مهامها كأمينة للعاصمة من سلفها المهندس نعيم عبعوب وخلال القائه لكلمته التوديعية وتقديمه باقة الورد لها (كجنتل مان)، كنتُ أشعر حينها ومن خلال نظراته وكلامه بأن لسان حاله كان يقول لها " بالعافية عليچ أمانة بغداد بزينها وشينها ولو ما بقيتلچ بيها اي شي زين، يللا اتورطي خلي نضحك شوية"، وهي كذلك كانت تنظر اليه وكأن لسان حالها يقول "راح أتشوف اشراح أسوي وراح أخلي الناس اتظل اتسبّك"!!.  
فلو كانت د. ذكرى علوش في بلد متقدم لأستقالت هي ورؤساء المجالس البلدية للمحافظات في الساعة الأولى من هذه الكارثة، ولسارعت الحكومة بكل اجهزتها الى العمل ليل نهار للتقليل من الخسائر، لكن واقع الحال وحسب ما وصلني بشكلٍ مباشرٍ من العاصمة بغداد بأن يوم الجمعة اي الثلاثين من تشرين الأول كان اكثر ضرراً ومأساوية من اليومين اللذين سبقاهُ.
فمن يناشد شعب العراق المنكوب، والى من يشتكي ويلجأ، فلا أعضاء الحكومات المتعاقبة يسمعون، ولا رجال الدين قادرون بخطبهم على أن يغيروا الواقع الفاسد والمزري، وليس هنالك أي أمل يرتجى من إيقاف الفساد وتداعياته الذي أتى على الأخضر واليابس، حتى بات يهدد بإبادة جماعية حقيقية للشعب بأكمله غير التظاهر من شمال العراق حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه.
كانت هنالك مقولة يتداولها العراقيون لإبعاد التهم عنهم على إعتبارها من الكبائر فيقول أحدهم "شمسوي آني قابل بايك ـ ـ ناهب" وحيثُ كانت السرقة تعتبر من الجرائم الكبرى، حتى ان ابناء الموظف المرتشي يشعرون بالخجل من زملائهم وربما يتركون الدراسة بسبب ذلك، وليس كما يحصل الآن من زهو اولاد السارق والمرتشي بالأموال التي سرقها والدهم من المال العام، فأي حال قد وصلنا اليه وأي وضع مأساوي هذا الذي يعيش فيه شعب كان قبلة شعوب المنطقة والعالم ومثلهم الأعلى في الأمانة والغيرة والكرم والنزاهة، والى متى تبقى يا شعبنا صابر على المِحَنْ.
وأختمُ مقالتي بأبوذية أقول فيها:
أسئلتْ صاحبي أشافْ بعراگي ورايه
إنطاني بكل صراحة فكرته ورايه
گللي بعراگك رفعو الصبر رايه
نبي أيوب ماخذلهم تحية!!!.