احتل سلم الرواتب الجديد حيزاً كبيراً من الاهتمام والنقاش وتداولته مختلف وسائل الاعلام لما سببه من ضرر اوقعه على شريحة من المواطنين ، وهو (اي الاهتمام) ما لم تحظ به التظاهرات الشعبية السلمية في بغداد والمحافظات التي دخلت جمعتها الثالثة عشرة المنادية بالتغيير الجذري بما يتضمنه من اصلاح لمنظومة العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. كان يمكن فيما لو تحقق شيء من مطالب الشعب التي ما انفك ينادي بها ان تصلح الكثير من القضايا بما فيها سلم الرواتب وفي اطار رؤية شاملة تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة جميع الموظفين وبقدر نسبي من المساواة ولا نقول كلها . وفي ضوء ذلك ولان  شعارات التظاهرات السلمية شاملة وجوهرها اجتثاث الفساد ومحاسبة حماته، فقد كان الامل كبيراً بان يكون للموظفين الناقمين على سلم الرواتب الجديد حضورهم خاصة اساتذة الجامعات الاجلاء كونهم النخبة التي يفترض ان تكون في مقدمة من يتحسس اوجاع ومعاناة المواطنين . الذي حضر من الاساتذة او موظفي الوزارات والهيئات المحتجة على تخيفض مخصصاتهم لتظاهرات الجمعة لايتناسب وعددهم وهو محل عتب كبير حيث انهم خير من يعرف بان المصلحة الخاصة تتحقق في اطار الدفاع عن مصلحة الوطن العامة وليس العكس .. وهو ما جسدته المشاركة الفاعلة لعدد قليل من الاساتذة والفنانيين  والادباء والمثقفين الذين كنا وما زلنا  نكبر فيهم هذه الروحية الوطنية العالية وتحملهم مشقة السير كيلو مترات غير قليلة للمجيء في كل جمعة الى ساحة التحرير في بغداد او غيرها من الساحات في محافظات العراق الاخرى . الكثير وربما جميعهم لم يكن متضرراً على الصعيد الشخصي سواء من حيث الراتب او المخصصات اوالعمل لكنهم لم يرتضوا ان يكونوا متفرجين على وطن  وشعب يتاجر بعض المحسوبين على السياسة بمصالحه ومستقبله .

واذا كان سلم الرواتب الجديد بما جوبه من تظاهرات احتجاجية يحتاج الى اعادة نظر تنصف الشرائح المتضررة منه ، فان الحقيقة التي ظلت غائبة كل هذه السنوات بان سلم الرواتب القديم كان الاسوأ بكل ماتحمله الكلمة من معنى حيث يفتقد الحد الادنى من العدل تلك الكلمة التي لم يعد لها من معنى في عراق ما بعد 2003.. فباعتراف احد النواب ان نسبة الفارق بين الملايين من الموظفين وبين سواهم الموظفين في الرئاسات الثلاث بشكل خاص واخرين يعملون في وزارت وهيئات كالنفط والكهرباء  والتعليم العالي والنزاهة وغيرها تبلغ 300 بالمئة في سلم الرواتب القديم وان الجديد لم يخفض سوى 25 بالمئة من هذه الفوارق ..  واذا كان التمايز بحسب الشهادة والخطورة وغيرذلك مشروعة فان ما يعلمه القاصي والداني بان هنالك مبالغ تصرف من دون وجه حق على عدد محدود من الموظفين  خاصة من منتسبي الرئاسات الثلاث ودوائرها وجلهم من اولاد المسؤولين واقربائهم ومريديهم  او ممن جاءت بهم المحاصصات.. لذا فان اللجنة التي تم تشكيلها لاعادة النظر بالقانون يجب ان تأخذ بعين الاعتبار كل ما في القانونيين الجديد والقديم من سلبيات واجحاف لتعالجها وتضع الحلول لها على وفق نظرة شمولية اساسها ازالة الغبن عن الجميع من دون تمايز .. البعض ركب موجة الاحتجاجات على سلم الرواتب الجديد لاغراض سياسية متجاهلاً انه يتحمل مسؤولية ما يمر به العراق من ازمة مالية خانقة عندما ترك الخزينة شبه خاوية وهو ما يتطلب من رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي عدم التهاون فيه والعمل على ايجاد الطرق القانونية المناسبة لاسترجاع بعض الاموال المنهوبة من الخارج ومحاسبة سراق المال لعام والمتسببين بخراب القطاعات الاقتصادية .. اخيراً سلم الرواتب الجديد بكل هفواته نتيجة لحالة تخبط عام وهو ما يتطلب تغييراً شاملاً وحقيقياً وهو ما يتطلع اليه الشعب .