هل نحن شعب لا يجيد فن الضحك، ولماذا ترانا ندشن كل صباح من أيامنا الكئيبة، بحثا عن حزنٍ مبرر، لنجد أنفسنا حزانى بلا سبب، متشائمين، نتحرك فاغري الأفواه، ننظر إلى وجوه أبطال المسلسلات الباكية، ونبدو بعد انتهاء المسلسل، كأننا ناجون من محرقة هتلر، لم نحتمل وجود ساخرين كبار من أمثال "ميخائيل تيسي " الذي أصدر أول صحيفة فكاهية أسماها " كناس الشوارع " أراد من خلالها انتقاد العادات والنواقص في الناس والمجتمع، فاختار لها المكنسة التي لم تجلب له في النهاية سوى المصائب بعد أن وجد نفسه ذات ليلة محاصراً بالعصي والسكاكين ليقرر على أثرها رمي المكنسة في نهر دجلة، وأصابت بعد ذلك الكآبة اثنين من أكبر المضحكين، وهما نوري ثابت " حبزبوز " الذي مات معوزا، وسليم البصري " الحاج راضي" الذي اقتصّت منه الكآبة وضيق الحال لتنتهي حياته وهو لا يملك ثمن علبة سجائر. لقد ارتضينا أن نبكي ونشكو وأن نبقى على هذه الحال، لا نغيرها حتى يغير الله ما في نفوسنا، إذ اعتدنا على البكاء وأدمنا عليه، ونصر على أن نورثه للأجيال القادمة. ولأننا نعيش في ظل ساسة ومسؤولين يريدون لنا أن نستمر في النواح والبكاء ولطم الخدود وشق الصدور، وإحياء مظاهر الحزن وتعميمها، فالفرح مهنة أصحاب الدنيا، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة. في خضم أخبار الكآبة ووسط فوضى سياسية وأمنية، ثمة أفعال وأخبار تبدو مضحكة أحيانا ولكنها ساذجة في أحيان كثيرة، من هذه الأخبار المضحكة، الملصق الإعلاني الذي علقه رئيس مجلس محافظة بغداد "كامل الزيدي" ويدعونا فيه إلى انتخابه لأنه حسب قوله " أول من لبى نداء الوطن". ملصق الزيدي الانتخابي الذي عجت به الطرقات، جعلني أعترف بأن في هذه البلاد ما يضحك، وبأننا شعب نجيد فن النكتة، على عكس ما يشاع عنا، وأن بإمكاننا أن ننفجر، في ضحكة عالية، سرعان ما تتحول شيئا فشيئا إلى قهقهات، ثم إلى زئير. وإذا ما سُئلنا بعد سنوات عن سبب ضحكنا، سنجيب بكل بساطة: آسفون إننا لم نفهم النكتة جيداً! ولهذا أعتقد أن السيد كامل الزيدي يستحق بجدارة لقب الشخصية العربية الأكثر فكاهة، وهذه من باب التفسير " ليست تهمة "، ونجوميته يمكن أن تتفوق على نجومية الفنان الرائع، باسم يوسف المصري الذي عجز خلال حلقات برنامجه "البرنامج " أن يطلق نكتة بمثل خفة ورشاقة دعابة الزيدي. وربما ستنتهي محاولات مقدم برنامج " البرنامج " بالفشل أمام إصرار أهالي بغداد على اختيار كامل الزيدي ليصبح نجم الكوميديا لهذا العام وكل الأعوام الآتية، وهو اختيار يرجع لأسباب عدة: أولاً: لأن الزيدي هو الذي قاد عملية الفتح الإسلامي الجديد لبغداد، وأوقد شرارتها في عام 2010.. العام الذي تميز " بإسقاط " الكوادر والرموز العلمانية " المارقة " التي أرادت العبث بالقيم والأخلاق " حسب الزيدي " ففي الوقت الذي كان هؤلاء المارقون، يحاولون الدفاع عن الحريات التي ضمنها الدستور، وحماية حق المواطن في التمتع في العيش بكرامة وحرية، في هذا الوقت العصيب بعث الله لنا بالحاج كامل الزيدي الذي لم يناور أو يخادع ولكن أعلنها ثورة حتى التحرير بوجه المارقين من الحالمين بأن تضاء ليالي بغداد، وتزدان شوارعها بالأفراح – لا سمح الله – فنحن وحسب نظرية"السواد والتقهقر"التي وضعها الزيدي،لن نسمح لأحد بإغواء أهالي بغداد الطيبين ويقنعهم بأن السهر والفرح حلال، مع انه في الأصل من رجس الشيطان. ثانيا: تخطيطه العلمي لعاصمة العراق، وتصفيته لأزمة السكن والبطالة، وتأمينه للضمان الاجتماعي للعراقيين المعوزين، وبناء المستشفيات الحديثة لهم، وتشييد المدارس التي تحيطها الحدائق من كل صوب وتبليط الشوارع الواسعة بالاتجاهين، وإقامة الجسور التي تضاهي جسور اليابان وكذلك "المولات"التجارية التي تنافس مثيلاتها في دبي وسنغافورة وهونك كونك، وناطحات السحاب التي سجلت ارتفاعات قياسية، وحركة الطيران التي لم تهدأ، بين بغداد وعواصم العالم تنقل السياح، ودار الأوبرا التي باتت تنافس " البولشوي تياتر " الروسي، والملاعب التي تتفوق على ما يحلم به أهالي قطر،، والمجمعات السكنية التي يتمنى الأوروبيون أن يسكنوا مثيلاتها، ناهيك عن السياح الذين تجاوزت أعدادهم الملايين، وكلهم يقصدون بغداد للاستجمام والراحة، بوجود الفنادق التي تقدم خدماتها على مدى أربع وعشرين ساعة، والساحات بنافوراتها وزينتها والنصب والتماثيل.. كامل الزيدي لم يكن وحده، دون ظهير، وسر نجاحه يكمن في الإصرار والمثابرة والتفاعل مع متطلبات قوانين مجلس قيادة الثورة المقبور. أما حملات التشكيك بمشروعه التنويري فلم تزده إلا إصراراً على المضي قدماً. لهذه الأسباب وغيرها أضمّ صوتي إلى أصوات أهالي بغداد في التصويت لرئيس مجلس محافظتهم، ليصبح الرجل الأول والأوحد في عالم الكوميديا وبرامج " التوك شو" وليذهب باسم يوسف إلى متاهات الجحيم وعالم النسيان..! |