نداء الفراغ

بعد هزيمة فرنسا وبريطانيا في السويس 1956 بدا واضًحا حتى للخاسرين٬ أن الوجود الإمبراطوري إلى أفول. وبدأ التنافس على ملء الفراغ بين دولتي الانتصار في الحرب العالمية الثانية٬ أميركا والاتحاد السوفياتي. وإلى جانب الاثنتين٬ ظهرت مصر نفسها كقوة إقليمية٬ تحارب مباشرة أو بالواسطة٬ كما في لبنان ٬1958 أو كما في اليمن 1963. كان رئيس الوزراء البريطاني هارولد ولسون قد وجه دعوة مفتوحة إلى الورثة المفترضين٬ عندما أعلن أن بريطانيا سوف تنسحب من شرق السويس٬ فمن كان راغًبا أو قادًرا٬ فليتفضل. هذه الدعوة كررها باراك أوباما عندما أعلن أنه سوف يسحب جميع الجنود الأميركيين من جميع الشرق الأوسط. وعندما تأكد الروس أنه جّدي٬ راحوا يسرعون الخطى. ومنحوه جائزة الأسلحة الكيماوية في سوريا لكي يتولوا أمر الباقي. وكانت إيران قد أصبحت الدولة الإقليمية الطامحة٬ فمنحته جائزة الاتفاق النووي٬ وراحت تتولى الباقي وفًقا للخريطة السابقة نفسها تقريًبا: سوريا واليمن ولبنان والخليج. هناك نظريتان حول الفراغ: الأولى أنه دعوة مفتوحة للآخرين كي يملؤوه٬ والثانية نفسية٬ وتسمى «نداء الفراغ». والمصاب بالثانية٬ إذا وقف على شرفة عالية أو سطح أو جبل٬ يشعر برغبة قاتلة في أن يرمي نفسه. نحن٬ نعاني من الاثنتين: ملء الفراغ الذي تركناه لمن يرغب٬ ونداء الفراغ الذي يجعلنا نرمي بأنفسنا من جميع الشرفات إلى جميع القعور. بل إننا حولنا الانتحار إلى صناعة وفن وخصوًصا إلى احتكار. في الفراغ الماضي وفي الفراغ الحالي٬ قدم لنا المتصارعون علينا٬ أو وفروا لنا٬ وسائل الانتحار٬ شرط أن ندفع ثمنها: لا تكف إيران عن استعراض سلاحها وجيشها. ولا تكف روسيا عن العروض الجوية. وتكتفي أميركا بصواريخ التاو التي تقسط المواجهة مع الفريقين. الفراغ دعوة مفتوحة للراغبين٬ سواء كانوا حالمين وخائفين مًعا٬ مثل تركيا٬ أو حالمين بلا حدود مثل إيران. وهذه المرة لا تحارب إسرائيل في السويس٬ فلا حاجة بها إلى ذلك. إنها تتفرج٬ فيما يحقق العرب رغباتها بجميع الطرق٬ ومنها الانتحار.