لعبة سادة الحرب في فيينا


على هامش اتفاق فيينا بشأن الأزمة السورية، تحدث وزير الخارجية السعودي عن اتفاق بين جميع الاطراف حول ضرورة تسوية الازمة بالطرق السلمية، والخلاف الوحيد هو حول مصير رئيس النظام.

تصريح الجبير لم يأت بجديد، فالمعلن من الخلاف بين معسكري ايران والسعودية، وظاهراً بين روسيا وامريكا، لم يكن سوى مصير الأسد. وسبب تأخر الحل "الخارجي" حتى الان، تمسك موسكو وطهران ببقائه، واصرار واشنطن والرياض وانقرا على أن التسوية تبدأ بعد رحيله.

المتغير الأكبر في الجانب الدولي والاقليمي للازمة، الحضور الايراني في الحوارات غير الثنائية لإيجاد حل. وهو ما كان مرفوضا لدى بعض حلفاء امريكا. وليس واضحاً ما الذي كسر هذا الحظر؛ هل هو القناعة السعودية بأن الامر لا يمر الا بمشاركة الجميع، أو صفقة خفية جرت في اليمن، أو الضغوط الامريكية بعد الاتفاق النووي، او الاصرار الروسي بعد زيارة الجبير لموسكو...؟!

إسهام هذا المتغير في معالجة تعارض المواقف الخارجية، ليس كبيرا. لأن رحيل الأسد، وإن بدا الخلاف الرئيسي الوحيد، يبقى مجرد صورة عن جوهر الأزمة الاقليمية داخل سوريا. الصخب العالمي والاقليمي لا يقتصر على بلاد الشام، انما هو صراع اقليمي وعالمي ينقل عدواه الى كل منطقة تشهد غليانا.

فالنزاع ليس حول سوريا بل توجهات القوم المتعارضة، صراعهم في كل بؤرة من بؤر الحرب داخل الشرق الاوسط، بل وخارجه. بمعنى أن تغيير هرم النظام او تغيير النظام محطة من محطات الخلاف المفتوحة على مزيد من اختلاف وجهات النظر والمواقف، بما تمليه ضرورات النفوذ لكل طرف من المتنازعين.

تعمل إيران على إبقاء الرئيس السوري أطول فترة ممكنة، رغم أنها تدرك أنه راحل لا محالة، كي تستطيع فرض تسويتها لمرحلة ما بعده. بينما تستعجل السعودية إخراجه من المشهد قبل أن يتم ترتيب الأوضاع بتسوية مسبقة تخنق نفوذها الذي تسعى اليه. فالخلاف ليس الشخص، بقدر ما هو ترتيب المشهد باتجاه تعزيز دور هذا الطرف او ذاك.

المفارقة الكبيرة، ان الشعب حين تحركت أكثرية شرائحه ضد النظام، كانت تريد امتلاك زمام الامور وتبحث عن حكم نفسها بعيدا عن الاستبداد، لكنها اليوم تجد نفسها رهينة هذه الدولة وتلك، رهينة "الرواق" الدولي والاقليمي في معالجة المشكلات. رواق يسوق لنفسه عبر تقديم دور المنقذ، ومحاولة اقناع الناس بأن الخلاف الدولي والاقليمي حول مطلبه. هي لعبة خداع السوريين المنقسمين بان العالم مهموم بمتطلباتهم، بينما المشكلة هي متطلبات هذه الدول، نفوذها ومكانتها.

ان بلدان الشمال العربي، وتحديدا العراق وسوريا، تحولت الى مساحة جغرافية لحرب بين المتصارعين، وستبقى كذلك مفتوحة على مزيد من الازمات، ما دامت التسوية الاقليمية والدولية بعيدة. بل وحتى لو سويت المشكلات، لن يسمح لهذين البلدين ان يخرجا من ربقة الدور الخارجي، لأن الاستقرار يعني عودتها الى لعب دور وخروجهما عن ان يكونا ساحة. وأريد لمصر ذلك، لكن اعتبارات خارجية، وقدم الدولة ووجود الجيش داخليا، حالا دون ذلك.

وبالمحصلة، سيأتي التغيير يوما ما باهتاً بلا طعم، وهو ليس تغييراً بقدر ما هو انتقال لمحطة جديدة من الموت المجاني. هكذا رأينا الأمر في العراق، وهكذا سيكون في سوريا..