السكتة الحضارية!! |
كأننا نستلطف السكون والتمترس في مرحلة من مراحل حياتنا بكل قضيضها ونفيضها , وندور حولها ولا نعرف منفذا منها وسبيلا إلى غيرها. ونقيم إقامة جبرية في مرحلة زمنية من تأريخنا دون سواها , ونعجز عن الحركة والتفاعل مع العصر, بل نتماهى معها ونجسدها بعد قرون من حصولها. فلا نعيش الحاضر كحقيقة ومفردات وطموحات, بل نستوطن الماضي ونستحضر سلبياته وننكر إيجابياته, ونفعل ونتفاعل وفق قوانين إستنبطناها من حيثيات الماضي البعيد, ومن الأحداث ومأساويتها وسوداويتها , فجعلنا أيامنا أكثر سوادا وبؤسا وألما منها. نعم نحن مصابون بداء السكتة الحضارية والصمت الأبدي. كأننا مومياءات, ونفكر بعقول فرعونية , لم يؤثر فيها الزمن ويجري فيها ماء جديد, بل أنها تهضم الجديد بمعدتها القديمة, وتتمثله وفقا لقوانين الماضي البعيد , التي لا تنفع أن تكون قوانينا للوقت الحاضر. الأمم والشعوب تعتز بتأريخها وتتأمله وتستنبط منه , وتأخذ العِبر والدروس لكي لا تكرر الأخطاء والمآسي, لكنها لا تعيش فيه وتعبّر عنه في حاضرها. فالأمم قد تجاوزت تأريخها المرير وحققت وجودها الكبير. ومَن يريد أن يعيش تأريخه يقع في مهالك كبيرة. وفي الأرض أمم وشعوب تحاول أن تعيش التأريخ الذي أكل الدهر عليه وشرب قرونا , وتراها في مآزق وصراعات لا تنتهي. فالأمم والشعوب الحية لا تجتر مآسي وسلبيات الماضي, بل تعتبر منها, لأنها تدري جيدا, أنها لا يمكنها أن تغير ما حصل, وأن تجدد ما كان, ولهذا تتجه إلى صياغات وصيرورات تؤكد الإيجابي وتحاصر السلبي وتحذر من تكراره. فهل نحن نعتبر من التأريخ وأحداثه , أم أننا نكرره ونتلذذ بمصائبه وسلبياته؟ الأمم والشعوب في تأريخها محطات باكية حزينة مؤلمة, ومحطات ضاحكة فرحة تثير الزهو والكبرياء والقوة, فتترك تلك للعبرة وتأخذ هذه للصيرورة الأحسن. فكيف ننحشر في عقلية مرحلة من مراحل حياتنا ومسيرتنا الطويلة , وتأريخنا, تأريخ فخر وزهو ومجد وكبرياء.؟ ولماذا لا يتجسد هذا في فعلنا وبنائنا للدولة والقانون؟ ولماذا لا نستحضر الماضي المجيد , ونعترف فقط بالماضي المؤلم , الذي هو لا يساوي شيئا بالقياس إلى الماضي المشرق؟ لماذا نجنح إلى البكاء والعويل والندب , ولا نجنح إلى البناء والمحبة والصفاء والرحمة والأخوة والقوة؟ لماذا نختار مصير الويلات والضعف , ونرفض مصير القوة والسعادة والحياة الطيبة الكريمة؟ وهل تساءلنا لماذا لا يتخندق العالم في حروبه الأهلية ومآسيه ويمضي في إجترارها والتغني بآلامها؟ نحن نختلف عن شعوب الأرض وعلينا أن نواجه أنفسنا بعقل وليس بإنفعال وغضب , وأن نخرج من خندق الماضي السلبي , وندرك الإيجابي في مسيرتنا , ولا ندفنه بانتقائيتنا السلبية المؤذية. ولنتحرك بعقل منفتح وروح صافية تحت ضوء الشمس , ونعيش بحسناتنا فوق الأرض. فانفضوا غبار التاريخ السلبي , وهللوا للوقفات القوية الإيجابية فيه , وانطلقوا إلى حيث الحياة اللائقة بنا. تُرى مَن الذي كرّهنا بتأريخنا وأغضبنا عليه , وجعلنا ننظر إليه بعين السوء لا بعين الرضى والإستحسان؟! |