مبالغات وسائل الاعلام واخبار السرطان

من المفهوم جًدا حرص بعض من وسائل الإعلام على الترويج لنفسها عبر اعتماد الإثارة في أخبار الاكتشافات الطبية المتعلقة بمعالجة الأمراض السرطانية٬ ولكن من غير المفهوم تركيزها على اللعب بمشاعر مرضى السرطان الذين في عالم الواقع تقفل في وجوه البعض منهم أبواب الحلول الطبية. وحالة اللا مبالاة هذه هي كانت موضوع دراسة الباحثين من جامعة أوريغون للصحة والعلوم بالولايات المتحدة التيُنشرت ضمن عدد 29 أغسطس (آب) لمجلة «جاما الأورام» JAMA ٬Oncology الصادرة عن رابطة الطب الأميركية. وفي موقع المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة٬ التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية٬ كان نص عنوان الخبر المنشور لهذا البحث هو: «وسائل الإعلام غالًبا ماُتبالغ في أبحاث أدوية السرطان كما وجدت الدراسة٬ الإثارة غير المسؤولة للضجة يرفع آمال المرضى اليائسين كما يقول الخبراء». واستهلت تعليقها الإخباري بالقول: «المقالات الإخبارية التي تعد المرضى بحصول اختراقات وتغيير في قواعد اللعبة حول اكتشاف أدوية جديدة للسرطان تثير دونما تحمل للمسؤولية٬ آمال المرضى اليائسين». وهو بالفعل وصف مثير للحزن في إعطاء آمال وهمية لمرضى يائسين٬ وسلوك ُيمارس إخبارًيا دونما مراعاة لمشاعر المرضى ودونما وجود أي مستند علمي وطبي يدعم توزيع هذه الأوهام. وأجرى الباحثون في دراستهم بحثا على موقع «غوغل» للأخبار في فترة خمسة أيام فقط من يونيو (حزيران) الماضي باستخدام كلمتي «دواء ­ سرطان»٬ ووجدوا 94 مقالاً إخبارًيا أشادت ببذخ٬ كما قال الباحثون بالنص٬ في وصف 36 عقارا جديدا لمعالجة السرطان. وقال الباحثون في نتائج دراستهم٬ إنه ولسوء الحظ فإن 50 في المائة هذه الأدوية «الأعجوبة»٬ بنص قول الباحثين٬ لم يتم التصريح باستخدامها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية ٬FDA وأن 14 في المائة منها لم يتم مطلًقا اختبار مفعولها على الإنسان. وعلق الدكتور فياني براساد٬ المتخصص في طب الأورام والباحث المشارك في الدراسة٬ بالقول: «النتيجة النهائية مربكة بالفعل٬ ووجدنا أن استخدام صيغ التفضيل أو الأوصاف المتكلفة لأدوية السرطان يحصل بغض النظر عن كون الدواء تمت الموافقة على استخدامه كعلاج أو لم يتم ذلك٬ وبغض النظر هل تم اختباره على الإنسان أو لم يتم ذلك٬ وبغض النظر هل ثبت أنهُيفيد في تحسين فرص بقاء مرضى السرطان على قيد الحياة أم لا»٬ وأضاف: «أعتقد أن الشخص العادي الذي يتابع أخبار السرطان سيصل إلى حالة الإحباط بحق٬ وسيكون لا محالة غير متأكد حول ما هي الأدوية الواعدة حًقا في معالجة السرطان». والتعليق الواقعي الأشد إيلاًما كان من قبل الدكتورة ليندا شابيرا٬ رئيسة التحرير في موقع «السرطان نت» Cancer.net وطبيبة الأورام في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن بقولها: «مرضى السرطان هم أكثر المتضررين من هذا الضجيج الإعلامي٬ ومؤخًرا تسبب هذا التفاؤل الشديد المستخدم في عرض الأخبار التي تغطي السرطان في حصول مناقشات قاسية وصعبة بيني وبين المرضى٬ وانتابت حالة من الذهول أولئك المرضى الذينُيعانون من مراحل متقدمة للأمراض السرطانية». وأخبرت عن حالة إحدى المريضات التي تابعت كثيًرا من تلك الإثارات الإخبارية التي تعرض نجاحات أشبه بالمعجزات٬ وكيف أنها لن تستفيد من أي منها في معالجة حالتها السرطانية المتقدمة٬ وعلقت على هذه القصة بأن الأمر تطلب مناقشات مطولة معها لإفهامها أن ما تشير إليه هو مجرد ترهات إخبارية مليئة بالضجيج فقط. وخلال الدراسة٬ لاحظ الباحثون استخدام العروض الإخبارية في وصف الأدوية السرطانية المكتشفة أو محل البحث بكلمات: اختراق٬ُمغير للعبة٬ معجزة٬ شفاء تام٬ الثوري٬ تحويلي٬ منقذ الحياة٬ رائدة٬ وأعجوبة. ووجد الباحثون أن أخبار غالبية الأدوية الـ36 استندت على البحوث المختبرية على الفئران أو مزارع الخلايا. كما وجدوا بالتحليل والمراجعة لتلك المقالات الإخبارية أن في أغلب الحالات التي تضمنت عبارات مبالغة فيها كان المصدر هو الصحافي نفسه دون مستند لأي تصريح من طبيب أو باحث علمي تضمنت أقواله تلك العبارات٬ وفي البقية يكون المصدر الباحثون الذين اكتشفوا الدواء والشركات الراعية لبحوثهم٬ ولذا قال الدكتور براساد: «الصحافيون الذينُيغطون تلك الأخبار والشركات الداعمة لإنتاج الدواء والباحثون فيه يشتركون في حصول كل هذا». من جانبها٬ علقت الدكتورة لين ليشتنفيلد٬ مساعد المدير الطبي في جمعية السرطان الأميركية٬ بأن هذا ليس سلوًكا جديًدا٬ ومنذ سنوات طويلة ثمة شعور بالقلق مما  من جانبها٬ علقت الدكتورة لين ليشتنفيلد٬ مساعد المدير الطبي في جمعية السرطان الأميركية٬ بأن هذا ليس سلوًكا جديًدا٬ ومنذ سنوات طويلة ثمة شعور بالقلق مما ُيسمى «الأمل والضجيج» في التقارير الإخبارية التي تنقل وعوًدا مفرطة بالمعالجة السرطانية ونجاحاتها. وقال الدكتور لويس بوتر٬ رئيس الخدمات الإشعاعية في نظام الساحل الشمالي الصحي بنيويورك٬ إن التقدم العلمي أبطأ من الإخباريين الذين يصفون الخطوات العلمية الصغيرة بأنها اختراقات مهمة٬ وخلال ربع قرن تقريًبا من الممارسة الطبية رأينا تتابع الموجات العالية للاكتشافات الدوائية والجراحية وفي الأجهزة٬ ودائما كان الضجيج الإعلامي يسبق الحقيقة الواقعية٬ ولكن للأسف٬ على حد قوله٬ يشتري المرضى من الضجيج ما يفوق 200 في المائة من الحقيقة لأن السرطان من أكثر الكلمات تلوًثا في القاموس لأن ذكره يصنع قدًرا هائلاً من الخوف والقلق لدى الناس. والحقيقة أنه من الضروري حصول المتابعات الإعلامية لنتائج الدراسات الطبية٬ وبحوث السرطان واحدة منها٬ ولكن ما هو مطلوب أيًضا تحري الدقة في العرض والوصف والاستعانة بالخبراء في الإعلام الطبي لتوضيح المقصود في تلك البحوث وتبسيط فهمها للقارئ بطريقة مفيدة وعملية وبالتحلي بالمسؤولية حول تلقي المرضى لها وبعث الأمل الواقعي في نفوسهم لحثهم على الصبر ومتابعة المعالجات وفق ما هو متوفر حالًيا لدى الأوساط الطبية٬ وأول ما يتطلب فعل كل ذلك ألا يكون عرض تلك الأخبار الطبية مقتضًبا جًدا أسوة بأي نوع من الأخبار الأخرى.