عجلة العراق تدور نحو الوراء |
لقد نشأت نظريات المعرفة التي تؤلف ما يسمى اليوم بمذاهب (الإبستمولوجيا)، لأن المعرفة وتحصيلها لم يفهما على أساس كونها إجراءات علمية من شأنها – خلال متصل البحث الخبرًّي- أن توصلنا إلى اعتقادات مستقرة تزداد مقداراً واستعمالاً على مر الأيام، فلأن المعرفة وتحصيلها لم يقاما على أساس الإجراءات العلمية، ولم يفهما على أساس ما يتبع فيهما من طرائق بحث فعلية وما يترتب عليهما من عواقب واقعية، فقد كان لا مندوحة لهما عن أن يصاغا في صورة مدركات عقلية يسبق بكوينهما قيام الإنسان بالبحث، وهي مدركات تُستمد من مصادر متعددة، أهمها عند النظرية القديمة هو مصدر النواميس الكونية، وأهمها عند النظرية الحديثة هو المصدر السيكولوجي (بمعنى مباشر أو غير مباشر) وهكذا يفقد (المنطق) استقلاله الذاتي، وهي حقيقة يزيد معناها على مجرد أن يكون (الكساح) قد أصاب نظرية صورية، بل إن ما فقده المنطق معناه أن المنطق – بعدهُ التفسير الذي يعمم الوسائل التي تؤدي بنا إلى الاعتقادات السليمة في أي موضوع كائناً ما كان، كما أن الوسائل التي تمكننا من أختيار سلامة تلك الاعتقادات- وهذا يعني ما فقده المنطق أن المنطق قد (أنعزل) عن العمليات الفعلية التي تؤدي بالناس في الواقع إلى أمثال هذه الاعتقادات السليمة وتأييدها، ولقد أدى قصور (البعض) دون بناء منطق قائم- بصورة جامعة مانعة- على عمليات البحث الإجرائية، إلى نتائج ثقافية جسيمة، فهو يشجع القول (الغامض) ويزيد من قبول الاعتقادات التي تكونت قبل أن تبلغ طرائق البحث ما قد بلغته في مرحلتها الراهنة، ويميل نحو أن يعهد بطرائق البحث العلمية إلى مجال التخصص الفني. ولما كانت الطرائق الفنية لا تتجاوز أن تكون هي الطرائق التي تعرض (الذكاء الحر) وهو يعمل عمله بأحسن صورة ممكنة من الزمن المعين، ما يصيب الثقافة من ضياع في الجهد ومن خلط وتشويه نتيجة للقصور دون أستخدام هذه الطرائق في شتى الميدان، وبالنسبة إلى شتى المشكلات يفوق كل التقدير، وأن هذه الاعتبارات لتزيد من قوة الدعوى التي تنادي بها النظرية (المنطقية)، حين تكون هذه النظرية هي نظرية البحث، في أن تحتل ثم تحفظ بمكانة لها الخط الأول من الأهمية الإنسانية..! وبالمقارنة مع ما تقدم وما يجري من البحوث والدراسات تجري لتوضع على الرفوف، ويستعاض عنها الإجراءات الآنية المتسرعة الهادفة إلى (أمتصاص) سخط الناس من مشاكل عديدة ومتنوعة (تضرب بالعظم) وبكرامة الناس وتحويلها إلى (سلعة) للمزايدات السياسية لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية ضيقة على حساب الجماهير التي أصبحت تعيش في (دوامة) الأمنيات (والذي يأتي ولا يأتي)، لم تحصد غير السراب، ووعود وعهود وتبريرات وصلت حد السخرية، ومعاناة (مزمنة) تنخر بجسدها الذي تتآكله الأطماع والصراع على المغانم والمنافع الشخصية..! ونحن في عام 2015 وبعد رحلة مضنية وسنوات عجاف ما زال الناس يستغيثون وكأن عجلة الزمن في العراق تدور نحو الوراء، على خلاف الدول الأخرى التي كانت (نائمة) وتعيش عصور البداوة، باتت تضاهي العالم الغربي في مختلف مجالات الحياة التي تعطي للإنسان حقه الطبيعي وكرامته الإنسانية. |