ضربت أولى زخات المطر التي أغرقت البلاد وشردت العباد، عصب الحياة بشدة وعنف، مسقطة آخر قطعة من الملابس الداخلية عن الاجساد العفنة للمسؤولين الفاسدين الذين اوصلونا الى مثل هذه الفاجعة، ولتظهرهم عراة لا تستر عري وضاعتهم حتى ورقة توت صغيرة، فتواروا بعار صمتهم المهين، والعالم يتابع بألم صورا حية ووقائع ميدانية لواحدة من ابشع فواجع المآسي الانسانية التي رسمت تضاريسها اصابع تجار الشعارات والمزايدات السياسية، ويتلمس مذهولا سقوط سقوف العديد من الدور وهياكل المساكن والخيم والكرفانات على ساكنيها، وهي تودي بحياة العشرات، الى جانب ضحايا الصعق الكهربائي، خصوصا من المهجرين والنازحين، وتشرد الآلاف وتصيب البلد بالشلل التام، فتمنع البرلمان من عقد جلسته وتعطل الجهد القتالي على جبهات المواجهة المشتعلة ضد مجرمي داعش الاراذل وتغلق الشوارع والاسواق وتوقف حركة السير والمرور وتعطل الدراسة وتغرق المستشفيات وتتسلل الى اقسام الطوارئ وتقطع خطوط الكهرباء والاتصالات وتجعل أسرة المواطنين وممتلكاتهم وحاجياتهم المنزلية تطفو على سطح مياه الامطار الآسنة التي تمازجت مع المياه الثقيلة، واوقفت نبض الحياة في عاصمة كانت عبر العصور تثير بألقها ونظافتها وحيويتها اعجاب الشرق والغرب، ليحولها سماسرة السياسة الى بركة من المياه الآسنة، مسقطة بصور ووقائع هذا الاهمال، الذي يستهدف طمس تاريخها والغاء حضورها والقها ودورها الحضاري، كل تصريحات وتلفيقات وخطب ووعود وعهود وبيانات وادعاءات واكاذيب المسؤولين الفاسدين المرائيين الذين نهبوا المال العام وخربوا البلاد وتمرغوا بارذل الافعال اللصوصية واخسها، سواء كان اولئك الفاسدون في الحكومة أم البرلمان او في المكونات والتحالفات السياسية ام في النزاهة والقضاء ليظهروا عراة امام الانسانية كلها الا من خسة لصوصيتهم ووضاعة سمسرتهم السياسية ودناءة استحواذهم على المال العام. ترى اين وعود من وعدوا وعهود من تعهدوا؟ وخطب وبيانات وتصريحات وزعيق المسؤولين الفاسدين خلال الدعايات الانتخابية والذين ربما لو التزموا بتحقيق 10% منها جديا لسبقنا بتطورنا وبمستوى رفاهيتنا سويسرا والنمسا واليابان وبقية منظومة دول الاتحاد الاوربي بمراحل ولجعلنا اوباما وشي جين بينغ وبوتين وميركل وهولاند، وبقية رؤساء الدول يوفدون سياسييهم ورؤساء حكوماتهم ومخططيهم الستراتيجيين الى بغداد ليتعلموا من (عباقرتنـــــــا) فن ادارة الدولة وبناء المجتمع وصيانة المال العام وامانة الحفاظ عليه وتنميته وحسن ونزاهة توظيفه في ميدان تقديم الخدمات وتحديث البنى التحتية وتسريع وتائر وديناميكية عجلة الاقتصاد. لكن في ضوء الواقع المأساوي المرير الذي يتجرع الشعب، وخصوصا الفقراء والمعدمون والعاطلون والمسحوقون والمهجرون والمشردون والنازحون، مرارته يوميا وفي جميع مفاصل الحياة، وهم يعيشون في ظل اشلاء دولة (مفلســـــة) آيلة للسقوط تتقاسم النفوذ فيها الميليشيات المنفلتة، وتغرقها النفايات وتعصف بها البطالة وهي تبحث عبثا عن خطة (للتقشـــف)على الرغم من امتلاكها لاضخم الثروات النفطية ولاضخم الكارتلات (اللصوصيــــة) معا، ربما اصبح بامكان ممثلي مختلف الدول ان يتعلموا من اساتذة وعلماء ومنظري ومفكري وفلاسفة تجربتنا (الفســـادية)، ومن(لصوصنــــا) المحترفين ومن سراق المال العام (الكفوئيـــن) ومن السياسيين الفاسدين احدث فنون واساليب وستراتيجيات النصب والخداع والاحتيال والاستحواذ على المال العام وتسويق الاكاذيب والوعود الخيالية والدجل والتسويف وشرعنة صفقات الفساد والعقود الوهمية وتحويل الميزانيات الخيالية الى حساباتهم الشخصية في البنوك الاجنبية و(تطويـــــر وتحديـــث) الوزارات والمؤسسات الرسمية وتحويلها الى أملاك عائلية. ازاء هذه المأساة التي اشعلت مشاعر غضب واستهجان وادانة الشارع الشعبي، وجعلته يقذف باقذع الشتائم والاتهامات والاوصاف البذيئة على الفاسدين والفاشلين والخائبين وسماسرة الشعارات وتجار الفساد وسراق المال العام، يصبح من حق الشعب الذي هو(مصـــدر الســـلطات) وصاحب البلاد والثروات وكل مافيها ان يسأل من وضع بأيديهم (امانـــــة) تمثيله والحفاظ على ممتلكاته وامواله العامة وصيانة حقوقه، لماذا حدث ويحدث هذا كله؟ واين محاسبة سراق المال العام؟ ومن يتحمل مسؤولية من قتلوا في الطوفان الاخير بسبب الاهمال وعدم توفير الخدمات الاساسية، وما مصير (الالـــف مليــــار دولار) التي كان بامكانها ان تبني عراقا جديدا مرفها سعيدا لكنها فشلت في توفير شبكات تصريف مياه الامطار؟ واين اختفت ميزانية 2014؟ واين محاسبة من سلم ثلث العراق الى عصابات داعش الارهابية؟ ومن اين وكيف استطاع وفقا لتقارير اجنبية (6) مسؤولين فقط منذ سقوط النظام البائد لحد الان جمع ثروة تقدربـ( 202) مليار دولار ربما كان بعضهم قبل ذلك يضطر لاستدانة ثمن وجبة من (همبركر مكدونالد)؟ واين من تبجح مدعيا بانه جعل من بغداد افضل من نيويورك ودبي (التـــي وصفهــــا بــــزرق ورق) واذا بها تصبح (بعبقريتــــه) وبعبقرية من سبقه ومن خلفه اشلاء توشك على الغرق؟ ولماذا لاتتم محاسبته وكل من ساهم بهذه الكارثة علنا امام الشعب؟ وهل يكفي قرار مجلس محافظة بغداد الذي اتخذه بالاجماع باقالة امينة بغداد ووكلائها ومدير دائرة المجاري من مناصبهم ؟ ام ان الحق والعدل والانصاف والحفاظ على حقوق الشعب يستلزمون استعادة جميع الرواتب والمخصصات والامتيازات منهم جراء فشلهم الذريع الذي تسبب بكارثة بيئية وانسانية معا؟ ووفق اي منظور (قانونــــي) يحكم على من يختلس او يبذر او يستحوذ على مليار دولار من الامانة بالسجن لسنة واحدة فقط لينعم بعد ذلك بما جنته يداه من المال (الحــــلال) في حين اسهمت سرقته تلك ربما بهذه الكارثة التي ضربت سكان العاصمة؟ في ظل هذا كله، وامواج الفساد ورائحته النتنة تحاول كتم انفاس اغنى شعب بعد ان حوله الفاسدون الى افقر شعب يمد مسؤولوه ايديهم باسمه لاستجداء (صدقــــات) الاشقاء والاصدقاء، بلا خجل او حياء، هل بتنا فعلا بحاجة (للعنــــف الثــــوري) وفقا للتجربة (الماويــــة) أو سواها، لمساءلة الفاسدين واقتلاعهم واستعادة الاموال العامة منهم وانقاذ الشعب من شرور ودموية شراهتهم في التهام المال العام بمختلف الفنون والاساليب التي لا حدود لها قبل ان يلتهم هؤلاء الفاسدين الرعاع ما تبقى من اشلاء الوطن ومن لقمة عيش الجياع ؟ وفي ظل عجز الحكومة عن مساءلة ومحاسبة (فرســــان) الفساد واللصوصية، ربما امسينا بحاجة الى حماية او مساعدة دولية والى محكمة اممية لاستعادة ثروتنا الوطنية، ولايقاف مسلسل فواجعنا وانهياراتنا المأساوية.
|