أكثر من نصف العاصمة بغداد والمناطق المحيطة بها غمرتها مياه الأمطار وغرقت الشوارع والبيوت مع أول (مطرة) كما يسميها البغداديون، في مناطق الشعب وحي أور ومدينة الصدر أغلب المدارس أغلقت أبوابها بعد أن امتلأت صفوفها بالمياه الآسنة التي لفظتها المجاري و(المنهولات) المسدودة منذ شتاء العام الماضي، وفي محلة 331 بمدينة الشعب توفي شاب في الخامسة عشرة من عمره بعد أن صعقه عمود الكهرباء الغارق بالمياه، أغلب بيوت المواطنين في تلك المناطق تعرضت الى أضرار كبيرة والكثيرون منهم تركوها ولجؤوا الى أقاربهم في مناطق أخرى. بسخرية تهجم أغلب المواطنين على حلول أمانة بغداد الترقيعية، وشبهوا مشروع بناء خط تصريف مياه المجاري والأمطار ببناء (المفاعل النووي) الذي لم ينجز منذ سنوات، متهمين أغلب القائمين على أمرها بسوء الإدارة والفساد، حيث كانت (الأمانة) تتلكأ بحجج وأعذار لم تقدم لأهالي بغداد حلولا من فوضى غرق المدينة في كل شتاء.
في مناطق مدينة الصدر والشعب وحي أور والبنوك وصولا الى شارع جامع النداء امتلأت الأحياء السكنية والشوارع الفرعية منها والرئيسة بكميات كبيرة من مياه الأمطار والمجاري، ووصل ارتفاعها في بعض المناطق الى أكثر من متر، المواطنون تحدثوا عن معاناتهم مع بداية كل موسم شتاء، إذ يقول المواطن حسين عبد الواحد (30) عاما: «تضررت بيوتنا وممتلكاتنا بسبب مياه الأمطار ومللنا من حجج وأعذار أمانة بغداد التي لم تنجح بمعالجة هذه المشكلة المزمنة، ولا نعرف سبب عدم إنجاز مشاريع تصريف المياه التي يتحدث عنها المسؤولون منذ أكثر من عشر سنوات ولم نلمس منهم سوى الوعود والحلول البدائية المضحكة، فهل يعقل أن تسحب المياه من مناطق غارقة بالكامل بسيارات حوضية! حقا إنه أمر مثير للسخرية».
صعقات كهربائية
أعمدة الكهرباء والأسلاك المتدلية منها، هي الأخرى ضاعفت من حجم معاناة سكان المناطق التي أغرقتها مياه الأمطار، وكحالة مثبتة، قتل عمود الكهرباء في المحلة 331 في مدينة الشعب شابا في مقتبل العمر كان يمشي وسط المياه للوصول الى الأسواق لشراء بعض المواد الغذائية، حيدر جبار (25) عاما من سكنة المنطقة اشار الى وجود أكثر من حالة صعق بالكهرباء بسبب وصول المياه الى مستويات مرتفعة حول الأعمدة الكهربائية، أغلب الأرصفة أصبحت غير آمنة وخطرة ولاسيما على الأطفال والصبية وكبار السن الذين يجدون أنفسهم مضطرين للمشي جنب الجدران وفي الجزرات الوسطية. فاضل عبد الحسن سائق سيارة (واز) أكد تعرض أحد ركابه الى صعقة كهربائية خلال نزوله من السيارة على رصيف الشارع الغارق بالمياه الآسنة في منطقة حي أور، فعمود الكهرباء الموجود في منتصف الممر كان موصلا للكهرباء بحدود مسافة متر مربع وكانت المياه من حوله تبعث أبخرة بيضاء بسبب ارتفاع حرارة المياه.
« ماكو حل »
مواطنون من مناطق مختلفة انتقدوا أداء أمانة بغداد واتهموا المسؤولين فيها بالفساد وعدم المسؤولية في رفع المعاناة عن المواطنين، المهندس المدني في إحدى الدوائر البلدية (رفض ذكر اسمه)، أكد عدم وجود حلول ستراتيجية لحل مشكلة تصريف مياه الأمطار والمجاري في بغداد، وكل ما تفعله الأمانة هو مجرد مشاريع متلكئة وغير فعالة ولا يمكن أن تحل المشكلة ما دام القائمون على إدارة المؤسسات الخدمية ليسوا من أصحاب الاختصاص أو المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة. واكد أن «لا حلول لهذه المشكلة إلا بالتعاقد مع شركة أجنبية متخصصة تنفذ المشروع بإشراف كامل ومن دون أي تدخل من الشركات المحلية أو الدوائر البلدية، وعلى الحكومة أن تسحب ملف إنجاز شبكة المجاري من أمانة بغداد وتحيله الى لجنة متخصصة تقوم بالتعاقد مع إحدى الشركات العالمية».
تعهدات غير صحيحة
لجنة العمل والخدمات النيابية ألقت باللائمة على أمانة بغداد في غرق العاصمة نتيجة هطول الأمطار في الأيام القليلة الماضية، وبينت ان اللجنة ستستضيف أمينة بغداد ذكرى علوش للوقوف على أسباب عدم السيطرة على مياه الأمطار. عضو لجنة الخدمات عن كتلة الإصلاح النيابية توفيق الكعبي أكد أن لجنته ستستضيف أمينة بغداد خلال جلسة مجلس النواب للوقوف على الأسباب التي أدت إلى غرق العاصمة. وقال الكعبي: إن «اللجنة وانطلاقا من مهامها الرقابية أجرت اتصالات مع الأمانة والجهات الخدمية الأخرى منذ الساعات الأولى لهطول الأمطار لمعرفة أسباب غرق العاصمة وقطع التيار الكهربائي»، منوها بأن «أمانة بغداد أكدت خلال اجتماع مشترك سابق بأنها أكملت استعداداتها لموسم الشتاء والأمطار، وتعهدت خلال اجتماع ثانٍ قبل عشرة أيام بعدم تكرار ما حصل في الأعوام السابقة من غرق للعاصمة مع أول زخة مطر». وتابع الكعبي ان «لجنة الخدمات في حالة استنفار لمتابعة جميع الأمور المتعلقة»، رافضاً «تبرير الأمانة بانقطاع التيار الكهربائي عن محطات تصريف المياه». بدورها، وصفت النائب عن اتحاد القوى زيتون الدليمي وضع العاصمة بأنه «مزرٍ جداً»، موضحة أن الخدمات معدومة ولا وجود لأي استعداد لموسم الشتاء. وقالت الدليمي: «غرق العاصمة مع بداية موسم الأمطار يشير إلى وجود خلل كبير في عمل الأمانة التي من المفترض أن تشكل خلية أزمة تعنى بظروف غير طبيعية مثل الأمطار الشديدة والعواصف.
مدارس
المدارس الابتدائية ورياض الأطفال في تلك المناطق والأحياء السكنية امتلأت قاعاتها وصفوفها بالمياه الآسنة التي تحول لونها الى الأسود المخضر تدريجيا، وأغلبها أغلقت أبوابها وعجز الطلبة والمدرسون من الوصول إليها، كاظم حسن (معلم) أشار الى خطورة تحمل مسؤولية السماح لطلبة المدارس الابتدائية بالدوام، فالصفوف تغمرها المياه الناقلة للأوبئة والأمراض، كما أن الشوارع أصبحت غير آمنة بسبب تسرب التيار الكهربائي الى الجدران والأرصفة، وأغلب المعلمات والمعلمين غير قادرين على الوصول للمدارس بسبب محاصرة المياه لبيوتهم.
طاقة تصميمية
مدير دائرة الوحدات الإنتاجية في أمانة بغداد المهندس عبد الجبار خلف الجزائري، اوضح أن «كميات الأمطار التي هطلت خلال الأيام الماضية وأدت الى غرق عدد من المناطق السكنية فاقت الطاقة التصميمية لمحطات التصريف بثلاثة أضعاف»، مؤكدا من تمكن ملاكات الأمانة من تصريف أكثر من 40 بالمئة من الكميات المتجمعة في الشوارع على أن تتمكن من إنهاء مشكلة تجمعها خلال الأيام القليلة المقبلة. وأضاف: ان «جميع ملاكات الأمانة مستمرة بمتابعة عمل محطات المجاري التي تعمل حاليا بكامل طاقتها لسحب وتصريف مياه الأمطار، لاسيما في مناطق جانب الرصافة، منوها بأن كميات الأمطار تجاوزت قدرة شبكات المجاري وخطوطها الرئيسة على استيعابها على الرغم من عمل المحطات البالغ عددها 280 محطة.
محاور
وأشار الجزائري الى أن عمليات تصريف المياه تتم عبر ثلاثة محاور، الأول يعتمد على الخطوط الرئيسة الناقلة لمياه الصرف الصحي من خلال المحطات العامودية والغاطسة، فضلا عن تشغيل خطوط الطوارئ والديزلات الخاصة لتصريف الكميات الزائدة من مياه الأمطار عبر قناتي الجيش والشرطة ونهر ديالى، فضلا عن توزيع الآليات التخصصية من «الشافطات والصاروخيات» في الشوارع الرئيسة والساحات العامة لسحب المياه، فضلا عن أعمال الصيانة والإدامة وتنظيف وتسليك خطوط الصرف الصحي والمنهولات.
تأهيل مبكر
وأكد الجزائري أن «جميع المحطات العامودية والغاطسة التابعة للأمانة تعمل بأقصى طاقاتها لسحب مياه الأمطار بعد أن تم تأهيلها في وقت مبكر وتنظيف الخطوط الناقلة لمياه الأمطار والمجاري وإنشاء ربطات طوارئ لتصريف هذه المياه عن طريق قناتي الجيش والشرطة». لافتا الى أن «الملاكات بدأت بتصفير المياه المتجمعة تدريجيا من خلال سحبها وتصريفها من الطرق العامة والشوارع الرئيسة التي تعد من الأولويات، اضافة الى المجمعات السكنية»، مبينا أن أبرز معوقات تكرار تجمع المياه تتمثل بالتصريف المنزلي الذي يضاعف من جهود الملاكات.
استهلاك محلي
أحد المواطنين وبعد أن أطلعناه على ما جاء في حديث مدير دائرة الوحدات الإنتاجية في أمانة بغداد علق قائلا: «إذا كانت الأمانة قد اتخذت مثل هذه التدابير وقامت بهذه الأعمال، فلماذا ستظل بغداد غارقة بالمياه الآسنة لأيام؟».
حلول من دون تنفيذ
مصدر في أمانة بغداد أكد أن أبرز الحلول لإنهاء مشاكل طفوحات مياه الصرف الصحي تتمثل بإنهاء مشروع مجاري القدس ومجاري الخنساء اللذين ما زالت التجاوزات تعيق إكمالهما، لاسيما بعد أن وافقت الأمانة العامة لمجلس الوزراء على تغيير مسار خطوط تلك المشاريع لإكمالها، فضلا عن وجود مقترح يتمثل بتنفيذ خطة تصريف نظامية لمياه الأمطار تركز على نصب بوابات تصريف (بايبات) بهدف استخدامها في أوقات الضرورة وإنهاء حالات التصريف العشوائية، لافتا الى أن هذه التجربة معمول بها عالميا، إذ تستخدم خطوط التصريف الاحتياطية لمواجهة الكوارث الطبيعية كالأمطار الغزيرة أو انهيار سد معين وما شابه ذلك.
شبكات قديمة
مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة بين أن قلة التخصيصات وقدم الشبكات أثر بشكل سلبي في سحب المياه من شوارع وتقاطعات وأزقة العاصمة، حيث لم تخصص خلال الموازنات الماضية الأموال التي كانت تطلبها الأمانة لشراء حاجة العاصمة من الشافطات والصاروخيات والآليات التخصصية الأخرى. فيما أشار مدير الهيئة العامة للسدود والخزانات في وزارة الموارد المائية مهدي رشيد الى تشكيل خلية أزمة في بغداد والمحافظات من قبل وزارة الموارد المائية من أجل مساندة أمانة بغداد ودوائر البلدية في عملية تصريف مياه الأمطار من الشوارع الرئيسة والفرعية. مبينا أن ملاكات الوزارة نشرت في بغداد آلياتها المتمثلة بـ «التناكر والمضخات» المخصصة لسحب المياه في مناطق قناة الشرطة وقطاع 73 في مدينة الصدر قرب السدة وفي منطقة الشعب، فضلا عن المناطق المحيطة بمستشفى الجملة العصبية ومستشفى الكندي».
إنقاذ المدارس
مصدر مسؤول في وزارة التربية بين أن الوزارة وجهت مديرياتها لتقوم بدورها بالتشديد على إدارات المدارس لتأهيلها من الفيضانات بسبب هطول كميات كبيرة من الأمطار. وأوضح المصدر ان الوزارة وجهت بالتنسيق مع مجالس المحافظات ولجنة التربية في مجلس محافظة بغداد والدوائر البلدية في بغداد والمحافظات للإسهام في سحب مياه الأمطار من المدارس التي تعرضت للفيضان جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الأيام القليلة الماضية. مؤكدا تضرر العديد من المدارس في مناطق بغداد وبعض المحافظات جراء السيول ومياه الأمطار التي غمرتها بالكامل.
|