فرقة البعث الناجية

 

في يوم عيد ميلادي المنحوس من العام 2007 نشرت مقالا بعنوان "يا ليتني كنت بعثيا فأفوز فوزا عظيما" والسبب كان قرار حكومة المالكي الأولى بصرف منح مالية لكبار ضباط الجيش السابق والأجهزة الأمنية وأعضاء حزب البعث المنحل لتعزيز مشروع المصالحة الوطنية.

في حينها كتبت العنوان دون إيمان به أو تصديق لمضمونه، لكنني اليوم أشعر بندم فظيع على ما ضيعته من عمري. عشر سنوات قضيتها مطاردا من بيت لآخر هربا من البعثيين وملاحقتهم المستمرة لي، طبعا لمعارضتي للنظام - هذا ما يدعيه جميع من في السلطة الآن - والحقيقة أنني كنت هاربا من الجيش.

اليوم، وبعد قرار قائدنا الضرورة وحزبه الحاكم بتعديل قانون المساءلة والعدالة في السابع من نيسان، يوم عيد ميلاد (الحزب القائد)، أنا نادم لأنني لم أكن مخلوقا زيتونيا يهش وينش له الجميع، يخشاه الناس، يدخل أي مكان وفي أي زمان، يقتحم البيوت فجرا ونهارا وليلا دون استئذان، يستفز هذا ويبتز ذاك بزيتونيته.

هذه المجاملة الرخيصة المستفزة جاءت صادمة لمشاعر الملايين من العراقيين، إلا أنها لم تحرك فيهم ساكنا. هذه الملايين لا أدري إن كانت مصابة بالذهول وفقدان الوعي أم أنها اعتادت التذمر فقط، فلغاية الآن لم تتحرك لاستنكار الإهانة التي وجهت إليهم ممن انتخبوهم لتغيير الواقع المأساوي الذي خلفه النظام المباد، وكأنهم راضون بما جرى ويجري.

ما الذي سيضر العملية السياسية الكسيحة إذا لم يباركها الزيتونيون؟ وهل ستتعطل دولتنا المعطلة إن لم يعد إليها البعثيون؟ وما الخسائر الأكثر فداحة التي سيدفعها العراقيون أكثر مما دفعوا لإرضاء حفاري المقابر الجماعية ومهندسي التفخيخ والانتحار؟!

مؤيدو وأنصار الحزب الحاكم وقائده وكعادتهم يحاولون تلميع كل القرارات التي تصدر عن قيادتهم الحكيمة، فيرددون كالببغاوات أن العودة والمكارم مشروطة ولن تشمل من "تلطخت أيديهم بدماء العراقيين". عذر وتخدير مضحك لطالما يتشدق به المتخاذلون. خدعة انطلت على الغالبية العظمى من العراقيين، إلا أنها تثير علامات استفهام عدة، منها، هل هناك نية لعودة هؤلاء لكي تطمئنونا أنكم لن تعيدوهم؟!

ثم ان عودة هؤلاء القتلة قضية حسمتها السلطة القضائية كونهم مجرمين على وفق القانون، ويجب الاقتصاص منهم، فضلا عن السلطة العشائرية التي لن تبيع دماء ضحاياها في مزادات الساسة، بالتالي كفاكم ضحكا على عقول الناس وتلاعبا بمشاعرهم. تحلوا بالجرأة وكاشفوا الناس بتخاذلكم وتفانيكم في الحفاظ على الكراسي التي صعدتم إليها على أكتاف ضحايا النظام المباد وضحاياكم.

أسأل نفسي ما الذي جنيته أنا وثلة من الذين كانوا يعتقدون بأن كره البعث وقائده واجب وطني مقدس؟ الجميع كانوا يدعون الكره مثلنا وبضمنهم من هم في السلطة الآن ومن أصدورا هذه التعديلات، لكن الحقيقة ثلة قليلة هي من آمنت بكره البعث، نحن المسحوقون في السابق والآن، أما من تسلق حبال القيادة فأحضانهم دافئة عامرة بالحنان والمحبة لكل ما هو زيتوني.

كنت أسمّي التاسع من نيسان 2003 يوم سقوط النظام إيمانا وتصديقا، وأرفض بشدة تسميته يوم سقوط بغداد، لكنني ومنذ المكرمة السخية للسيد المالكي وحزب الدعوة العربي الاشتراكي تراجعت عن سذاجتي. اليوم سقط العراق.. العراق الذي لا ينتفض على هكذا استفزاز واستهانة سقط فعلا.