أصدر الأستاذ علي الأديب، القيادي البارز في حزب الدعوة وزير التعليم العالي الحالي، كتابا يحمل عنوانا مستدرجا للقارئ لتقصي حقيقة ما في هذا الكتاب "خارطة طريق لمعضلة العراق". وأرى أنه نجح في هذا المسعى، وهو استدراج أو جذب القارئ، من خلال العنوان "دعوني أثبت نقطة شكلية لا تمس المحتوى، وهي أن العنوان قد يكون بحاجة إلى اضافة كلمة "لحل" أو "للخروج من" قبل كلمة معضلة، أو أي اضافة أخرى، لأنه قد يفهم على أنه طريق إلى المشكلة وليس للخروج منها. وأترك الأمر لمن هو أرسخ قدما في اللغة وقد أكون مخطئا. وعلينا أن ندرك أن الاستدراج من خلال العنوان سلاح ذو حدين، إذ أنه الزام للكاتب والتزام منه بأن يصب المحتوى في خدمة العنوان وبالعكس, وهنا وقع الاستاذ الأديب في هذا المأزق حيث أن العنوان هو ذاته عنوان لتمهيد أتى قبل فصول الكتاب امتد من الصفحة 15 إلى الصفحة 33، أي أقل من 20 صفحة في كتاب من 197 صفحة. أما الفصول الأربعة للكتاب فهي بعيدة عن العنوان بما يكفي للقول بأنها لا تنتمي له ولا هو يمثلها، فالكاتب قال في المقدمة بأن هذه الفصول "هي مجموعة مقالات كنت قد نشرتها في صحيفة الجهاد التابعة لحزب الدعوة الاسلامية خلال العامين 2000 - 2001، وهي الفترة التي زاوجنا فيها بين العمل السياسي ضد نظام البعث المستبد، والعمل التربوي". إذن فهي مقالات في "المفاهيم النفسية والتربوية والفرد والأسرة والمجتمع" وهي مقالات قديمة سابقة للمعضلة التي يواجهها العراق الآن أو التي هو فيها، وان العنوان يمثل 10 بالمائة تقريبا فقط من هذا الكتاب. وهكذا نجد أن هناك خدعة للقارئ إذا أسأنا الظن أو سقطة من الكاتب إذا أحسناه, وهذه العشرة بالمائة هي ما سأناقشه وأستعرضه، فهي تعبر عن رؤية حزب الدعوة الذي يقود الحكومة الآن، وهي جهد تنظيري من قيادي مهم. عليه فهي تستدعي القراءة والتدقيق والمناقشة. الأستاذ الأديب ابتدأ خارطته بالحديث عن التغيير، وأوضح أن إحداث أي تغيير حقيقي يتطلب المرور بثلاث مراحل مترابطة ومتوالية، وهي التغيير "على مستوى الشعور وعلى مستوى الشعار وعلى مستوى التطبيق". ثم ينطلق لتوضيح ما وصفه بأنه "رؤيتنا لصياغة فلسفة واضحة للدولة " ليتحدث عن المواطنة ومفهومها وعن الهوية العراقية ثم عن سياسة اقتصادية تعتمد على تنشيط القطاع الخاص والانتقال من مرحلة الصناعة الاستخراجية إلى مرحلة الصناعة التحويلية والوصول إلى مرحلة الانسجام في المنظومة القانونية والادارية إلى غيرها من العبارات الانشائية غير محددة الملامح التي قد تصلح كبيان ختامي لمؤتمر حزبي أو كنص في كتاب تربية وطنية للمرحلة الاعدادية. إلا أنها لا يمكن أن تكون أكثر من فائض لغوي إذا أردنا أن نزنها بميزان خطة للخروج من "معضلة" العراق. ويستمر الأستاذ الأديب في الحديث عن مجموعة من الأهداف في مجال التعليم والتطوير حتى يصل بيت القصيد، وهو ما أطلق عليه "" التشغيل الكامل للنظام"" إذ يقول إن "المشكلة الرئيسية التي تواجهها اي منظومة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ومنها المنظومة السياسية العراقية، انها لا يمكن أن تؤتي نتائجها ما لم يسمح لها بالتطبيق على المستوى الشامل" أي أن الحزب الذي يقود الحكومة يجب أن يسيطر تماما على النظام ويشغّله بكل مفاصله وتفاصيله مبررا ذلك بـ"ان يحظى بالفرصة الحقيقية لاختبار مدى نجاحه" وأنه يرى أن عدم تطبيق مفهوم التشغيل الكامل للنظام يؤدي إلى "حرمان البلد من أي تقدم"، وهكذا فهو يصل إلى أن الحل يكمن في حكومة أغلبية سياسية. هنا نجد من غير الممكن تجاوز أن نسأل: هل هذا تعبير ملطّف لتوصيف "نظام شمولي"؟ ألا يوحي تعبير "التطبيق على المستوى الشامل" بذلك؟ وهذا الهدف الذي يريد الكاتب الوصول إليه، وبالتالي حزبه، يشير إلى التشابه الكبير في الرؤية مع المنهج التطبيقي السياسي للأخوان المسلمين في مصر، وهو ما يعرف هناك بـ"التمكين".. يتبع |