الذين هم عن صلاحهم ساهون..!

رغم محاربته والتصدي له، مازال الفساد في عراقنا الجديد سيد المصائب التي ورث العراقيون منها الكثير، واستجد في حياتهم منها بعد عام 2003 الأكثر, أما قولي (محاربته والتصدي له) فقطعا أقصد دغدغة الفاسدين ومغازلتهم بيد من (حرير) تلك اليد التي توعدهم بها رئيس وزرائنا، والتي كانت في حقيقتها الحديدية موجهة الى المواطن لصفعه بالصفعة القاضية، فيما كان قفاز الحرير هو أداة التهديد التي نفذت بحق الفاسدين الذين عن صلاحهم ساهون..! والغريب في ساحتنا العراقية على الصعد كافة، أن مامن مسؤول او سياسي أو زعيم كتلة او حزب في العراق، إلا وأبدى شكواه أمام الملأ من الفساد الذي نخر البلاد، بعد أن استشرى في مفاصلها ومخر جسدها كما تمخر السفينة لج البحر، فهناك من يصرح أن عدد الملفات التي أحيلت الى هيئة النزاهة خلال دورتها السابقة، هي خمسة وعشرون ملفا، وقطعا هو رقم مسكين مغدور، مبخس حقه، مستصغر حجما وقدرا ومكانة، ولاأظن قارئا اوسامعا اوناظرا او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس يستطيع وضع نسبة وتناسب، بين ما أحيل الى هيئة النزاهة، وبين ماموجود على أرض الواقع وتحتها وفي دهاليزها، هذا إذا افترضنا ان الملفات الخمسة وعشرين أخذت دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وأعادت مانهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على الثلاثين مليون شخص. ومن غير المعقول أن فسادا بالحجم الذي نسمع عنه ونقرأه ونلمسه، يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومرقد الأولياء والأتقياء؟ وإذا كان هذا حاصلا بالفعل؛ ماالاجراءات المتخذة إزاءه وكيف جوبه المفسدون أبطال هذه الملفات؟ يبدو أن شيئا من هذا القبيل لن يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبّدة من دون موانع او معرقلات، بل هي سالكة وغاية في السهولة والسلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات، وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه وبلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد. واللافت للنظر والاستغراب أن الملفات التي تحال الى هيئة النزاهة هي ملفات (خردة) من (الحجم الصغير) إن صح التعبير..! إذ هناك (جوه العبا) ملفات أعظم هولا وأكبر حجما بكثير، يشار اليها من بعيد لأغراض إثبات الوجود، وكأن النزاهة تحمحم وتقول من باب ذر الرماد على العيون: "نحن هنا"!.

ولو سلمنا أن كل ملف من الملفات المذكورة أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبيق مواده وبنوده عليهم كل بجريرته؟ وهل شعار؛ (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط؟. هو دور يقع بالدرجة الأولى على رؤوس الحكم في البلد، وعليهم وضع حد صارم للفاسدين فيه من دون هوادة او تهاون معهم جميعا، إذ من المؤكد ان الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال أكبرها، ولها (ظهير) يهادن الرقيب ويحمي السارقين من العقاب، بما يبعد الإصلاح ويستقطب الفساد والفاسدين الذين هم عن صلاحهم ساهون.