مطر سياسي

 

ما هي العلاقة بين الكوارث الطبيعية والسياسة في مجتمع شُبه ثيوقراطي (متدّين ولو ديكورياً) يحاول رّبط كل ما هو ديني (رُباني) بالدنيوي (بشرّي) ليس حباً بالأول (الدين) وإنما رغبة بالثاني (الدنيا ومتاعها وملذاتها)؛ أهي علاقة منطقية وفق فلسفة الواقع المعاش أم “خزعبلة” وخرافة وضحك على الذقون خصوصً في مجتمع مُلتحي (!!)؛ وعقل مُحجب وجه مُنْقب يخفي حقيقة زيّفه؛ ومع أيماننا العميق بأنْ المطر هو نعمة وليس نقمة ولا يندرج ضمن قائمة الكوارث الطبيعية؛ لكن كيف أصبح ذلك المطر  لعَنْة على المجتمع وكيف تم توظّيفه لأغراض سياسية وأمنية ومشكلات اجتماعية عرّت عاهة الواقع المحلي الذي نعيشه اليوم؛ ووضعته على المحك؛ وهل أصبح المطّر يحمل صبغة سياسية أكثر مما هي ربانية؟!!

 

 أنا مؤمن بأن المطّر رحمة من السماء للأرض، لكن للأرض التي تجد تبويب السيّول وتصريفها على أتم وجه؛ ففي زّخة مطر أعتبرها متواضعة وطبيعية غرقت العاصمة بغداد على بكرة أبيها وتحولت الشوارع إلى جداول نهرية والأنفاق إلى بحيرات تصلح للإبحار واصطياد الحيتان و”الكواسج”، و”الدرابين الضيقة” إلى مسطحات مائية، وإغراق البيوت وطفح المجاري وانسداد المناهل  وإغلاق المنافذ وتعطيّل الدوام الرسمي للدوائر، وشل حركة الحياة وايقاف العمل في مؤسسات الدولة بسبب الأمطار التي سالت لمدة يوم ونصف اليوم، ما هو حال بغداد لو استمرت الأمطار لمدة أسبوع؛ فهل سينجو  مواطن عراقي من هذه الكارثة؛ انا متقين بأننا سنتحول إلى ضحايا غرقى شبيه بضحايا سفينة تايتانيك الأسطورية؛ ولن ينفعنا وقتئذ أية قشة أو جذع عابر سبيل؛ لا شك أنْ المطر صار يبعث الشكوك وأعتقد أنْ المطر سياسي (!!) تديره أحزاب سياسية وجهات خارجية لا تريد للعراق خيراً؛ فهل يوافقني أحد في الرأي !!

 

منذ أكثر من عشرة أيام أراجع شخصياً؛ أحد الدوائر  الحكومية من أجل ترويج معاملة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة لكن لم يحالفني الحظ بسبب اخجل من ذكره ولا تخجل تلك المؤسسة من البوّح به ألا وهو غرق الدائرة بالمياه؛ .. لا أدري هل هو تسونامي أم زّخة مطر؛ (!!)؛ وهل يعقل هذا القول في دولة مؤسسات تمتلك وفرة من رؤوس الأموال وقوة ضاربة وامكانيات بلا حدود؛ يتعطل الدوام في مؤسسات الدولة لمدة اسبوعين بسبب سقوط الأمطار؛ وكل صباح أمام مبنى الدائرة يواجهني “شرطي الدائرة” بأن الدائرة ما زالت طافحة بالمياه؛ واتساءل أليس هناك بلدية وأمانة عاصمة وحكومة مسؤوله؛ مطر يُعطل ويشل الحياة؛ ماذا لو كان “تسونامي” أو  أعاصير على شالكة كاترينا؛ أنْ الحديث مُخجل ومعيب؛ فماذا لو تعرضت العاصمة لموّجة مطر جديدة خصوصاً ونحن نعيش منخفض جوّي؛ فمتى يتصحح هذا الخلل؛ انا اعتقد شخصياً أنْ موّجة الأمطار تم توّظيفها لأطراف سياسية لها مآرب أخرى ومقاصد سيئة؛ والبعض يُريد توّظيف موّجة الأمطار لإفشال عمل الحكومة وعرقلة برنامجها الحكومي؛ أي أنْ المطر أصبح سياسي بطريقة أو بأخرى.

 

   أنا ألتقيت شخصياً بالمواطنين والمراجعين لتلك الدائرة وتكفلوا أمام شرطي الدائرة بمساعدة الحكومة ومسؤولي الدائرة بالعمل على تصريف المياه من الدائرة الطافحة وافراغها من الطمي ولو “بالقالونات” و”التنك”؛ فالدولة بحاجة للمساعدة والمعونة والأجر على الله !!