الذكرى المتوقدة لرحيل الصدر الاول

 

لم يكن رحيل السيد المفكر محمد باقر الصدر طاب ثراه باستشهاده على يد اعتى طاغية ونظامه الشمولي بالأمر الذي يمر مرور الكرام وتندثر معالم هذا المرجع القدوة لكل احرار العراق باختلاف تنوعاتهم الفكرية والقومية والدينية ، لأنه كان يمثل قوة الربط الحقيقي بين تلك المكونات الجماهيرية في العراق فقلبه مع الجميع دون استثناء احد من ابناء الشعب العراقي حيث خطابه الوحدوي ونداءاته الموجهة لكل التنوعات الاجتماعية التي يتكون منها شعب العراق ولا اعتقد ان مثل هذا الصوت الوحدوي يمكن ان يندثر او يذوب في ذاكرة النسيان مهما تعاقبت الادوار والمراحل السياسية في بلدنا العزيز لأنه شخّص نقطة الارتكاز الدموية لسلطة البعث الاجرامية في تعاملها مع ابناء العراق ووجد فيها انها آلة لتدمير البشر والحجر ولن تقف عند مكون من مكونات هذا الشعب وان اختلفت حدة التعامل من منطقة الى اخرى او من مكون الى اخر ولكن في النهاية كان التشخيص حقيقيا وواقعيا واعتبره هو المحذور الذي يجب ان يتعامل معه كل مواطن قد يختلف مع هذا النظام وتلك المنظومة الدموية .

من هذا المنطلق نجد ان الذكرى الخالدة لاستشهاد هذا المفكر ورغم مرور اكثر من ثلاثين عاما بقيت في نفوس كل احرار العراق والمخلصين والشرفاء من ابناء هذا البلد وبمختلف قومياتهم ودياناتهم إلا من النزر القليل الذين أشّر عليهم السيد الشهيد الصدر في زمان حكمهم الجبروتي فهؤلاء لم ولن يكونوا أسوياء مثل باقي البشر لأنهم تعلموا العيش على دماء الابرياء ولذلك نقول ليس من الانصاف ان تخرج علينا اليوم الكثير من الاصوات النشاز لتطالب بالصفح عن جرائم البعث وتوابعهم من قبيل تعديل قانون المساءلة والعدالة أو ايقاف العمل بمواد ادانة الارهابيين او العفو العام الذي يمكن ان يشمل بعض المجرمين وتكون الفرصة سانحة لخلاصهم من القصاص العادل فأي حق يراد من ذلك وما زال ضحايا البعث خارج نطاق الحقوق العامة والخاصة ،، ولذلك على البرلمان العراقي اليوم مسؤولية كبيرة وتحدي يحتاج الى وقفة من كل الشرفاء مهما اختلفت مشاربهم ان يتذكروا قول الشهيد الصدر وهم يحيوا ذكراه الثالثة بعد الثلاثين على استشهاده عندما قال (لو كان اصبعي بعثيا لقطعته ) ومن المؤكد ان من يحمل فكرا كفكره وعبقريته لا يقول مثل هذا القول ان لم يكن غارقا في المعرفة الحقيقية لتلك العصابة التي نزت على حكم العراق واستباحته دون حق ، فلا بد من تجريم هذه الحقبة العفنة والوقوف بوجهها والتصدي لها وان يحولوا بينها وبين استلام أي منصب يتنعمون به في العراق فمن ذبح شعبه في الماضي دون استثناء لا يستحق أن ينعم بخيراته ، وهنا أنا اتحدث عن شخوص البعث الاجرامية التي تقلدت المناصب والمسؤوليات واستباحت الدماء البريئة في العراق ، وان كان لابد من اعطاء الحقوق وتوفير العيش المناسب لذوي هؤلاء لم يكن لهم ذنب ما اقترفته أيدي المجرمين فلا بأس أن يكون التعديل وفقا بهذا المستوى الانساني لا اكثر ولكن بعد اعطاء الحقوق أولا لضحاياهم من العراقيين المظلومين،، لأن لو كان صاحب الدم البريء والمراق ظلما السيد الصدر رحمه الله حيا لكان اوصى بانسانيته المعروفة ان تعتنوا بمن لا ذنب له سوى انهم عائلة هذا المجرم او ذاك لكون الذين أوغلوا قتلا وتشريدا ونفيا بأبناء شعبنا العراقي كانوا يتصرفوا بشخصنة وتبعية ذليلة لإرضاء غريزة دكتاتور لم يتوانى حتى عن قتل اقرب الناس اليه من ابناء عمومته أو من يختلف معهم .

من الواضح جدا ان الذكرى التي تمر علينا كل عام لرحيل المفكر الشهيد محمد باقر الصدر لم تكن ذكرى عابرة وانما افكاره تتوقد علما وجهادا وتنويرا فكريا حتى في الاوساط الغربية فهناك من الباحثين والمستشرقين الاجانب بحثوا في فكره وفي روحيته السباقه الى الحرية وتحرير الانسان ، كما ان هنالك اليوم في العراق من غير دينه ومذهبه وقوميته من يتمناه على قيد الحياة ليكون صمام الامان في نقل العراق الى الفضاء الرحب من التسامح والحرية والديمقراطية بروحيته التي اعتادوها من بياناته التي لا زالت تتوقد في ذاكرة التاريخ .