السيد الشهيد محمدباقر الصدر محررا للفكر

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين.
من اصعب مهام الانسان الفكرية هي قضية الثورة علي يقينياته او منهجه او ارائه التي يتبناها فيغيرها او يطورها وينميها،وتتشدد صعوبة الامر فيما اذا وجد هذا الانسان ثمار جميلة واصداء واسعة لمتبنياته وارائه بحيث يجعله يعتز بها ويفخر ويعدها ذخرا له ولمستقبله وحياته الثانية او الاولى.
ان من اخطر معاني الموت واخفاها هو السكون الى الافكار التي نصل اليها ولا نراجعها بين فترة واخرى،ومن ارقى معاني الحياة تلك التي نتفوق بها على انفسنا و ننهض بفكرنا على اعتاب فكرنا السابق.
بالتاكيد ان العملية صعبة ومعقدة ولا نتوقع او ننتظر حصول ثورات (موزونة)كبرى وصالحة في حياة المفكرين ،بل اقول ان المفكر الذي تجد لديه انقلابات محدودة في على بعض افكاره نحو الافضل يمثل عبر التأريخ عملة نادرة وشخصية فذة قد لا تتكرر الا في رؤوس القرون.
ومن هذه الشخصيات الفذة التي نجدها تعيش حياة الفكر وحريتها هي شخصية السيد الشهيد محمدباقر الصدر(قدس سره) الذي كان دائم التفكير بالكتاب بحيث انه يفكر اكثر مما يقرأ.
لقد بدأت حركة الحرية في فكره اولا من مرحلة تخلصة من سجون افكار اسلافه العلماء(قدس الله اسرارهم)،فعاش حرية الحوار مع افكارهم وبكل احترام لها خالف ما وصل الى عدم صحته بلا تردد او خوف حتى تربت الحرية الفكرية في باطنه وانتقل الى مرحلة الحرية من افكار الغير الى مرحلة الحرية من افكار الذات السالفة فأخذ بمراجعة ما يشك في عدم صحته.
وظهرت هذه الحرية بشكل واضح في موقفين فكريين منه قدس سره:
الاول:كان سماحته في مقتبل شبابه وبداية نضوجه الفكري يتبنى فكرة شورى الفقهاء كنظام سياسي اسلامي بل ويعمل على تطبيقه في الواقع الخارجي.الا انه تحرر من هذه الفكرة التي دعا لها في مرحلة ما واعلن وبصراحة وبشجاعة تبنيه فكرة ولاية الفقيه كنظام سياسي اسلامي واخذ يقنن له وينظر له ويستدل عليه.
الثاني: انه في مرحلة ما من عمره الشريف كان ينهج في استدلالاته اثر الطريقة الارسطية في التفكير والاستنتاج،وهذا ما ظهر بوضوح في كتابه الشهير(فلسفتنا) الذي اخذ شهرة واسعة وانتشار كبير بين اوساط المثقفين بين موافقا له ومخالف.
الا اننا نراه بعد اقل من عشرين عاما يقدم لنا طريقة اخرى في الاستدلال تختلف عن تلك الطريقة التي تبناها في بداية نتاجه الفكري،فظهرت لنا هذه الطريقة في كتابه العظيم(الاسس المنطقية للاستقراء) الذي اسس فيه لمذهب معرفي جديد بحيث انه قدس سره وصف هذا الكتاب(بانه ملأ فراغا في الفكر البشري عمره الفي عام)،حتى انه في بداية طرحه لنظريته الجديدة قدم اشكالات على المنهج الارسطي(لو تمت) فان كل النتاج الفكري المبتنى على المنهج الارسطي سيكون في خانة التراث المدحوض ومنه بالطبع كتابه فلسفتنا.
بالتاكيد ان عملية التحرر من افكار الذات تحتاج الى مؤهلات كثيرة منها فكرية واخرى اخلاقية ونفسية تتمثل بعدم الخجل من تخطئة النفس واظهار التغيير امام الاخرين مما يتطلب مستوى عالي من الاخلاص والتواضع والهمة على النحو الذي ذكرناه في بحث سابق موجود على هذه الصفحة بأسم(رفض التغيير الفكري).
ومن هنا علينا جميعا نحن الذين ندعي الانتماء الى هذه المدرسة المباركة(المدرسة الصدرية) ان نعيش حالة الحرية الفكرية المتزنة وان نقف على اقدام ثابتة من الافكار والعقائد ،تلك الحالة التي تجعلنا نعيش كلام امير المؤمنين عليه السلام(وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك) اي عبادة الاحرار الذي عرفوا وعبدوا على معرفة.
وتلك الحالة التي تجعل الفرد يعيش حالة التعايش السلمي مع الاخرين واحترام ارائهم ماداموا في حدود العقل والانسانية والدليل والمنطق.
ومن هنا على المفكرين وانطلاقا من المنهج الذي صاغه السيد الشهيد الصدر قدس سره ان يراجعوا افكار العلماء باحترام وتواضع ومنهم السيد الشهيد نفسه ،وان يراجعوا افكارهم ايضا ويتسلحوا بالاخلاق والنفسية التي تسمح لهم بذلك عسى ان ينهض الفكر الاسلامي كما نهض على يد السيد الشهيد قدس سره لاحتضان افكار الدين الجديد الذي سيظهره على الدين كله بظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.
واخر الدعاء ان الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدواله الطاهرين.