الإشاعات سلوك معروف ومتداول منذ أزمان ساحقة , ولها دورها في الحروب والصراعات , وتسببت بهزائم وإنتصارات , ولاتزال فاعلة في حياة المجتمعات والشعوب , ولها تأثيراتها المتفقة مع أهداف الذين يطلقونها , لتأمين مصالحهم والوصول لأهدافهم وغاياتهم.
والإشاعات تسعى لإلهاء الناس وحَرْفِ إنتباههم , وتشويه قدرات إدراكهم والإستثمار بعواطفهم , لأخذهم إلى حيث يُراد لهم أن يذهبوا.
وقد لعبت الإشاعات دورا خطيرا في الواقع العربي منذ أكثر من ربع قرن , واليوم في أوج إقتدارها الإنتشاري والتأثيري والإستثماري , بعد أن توفرت تقنيات التواصل الإجتماعي والتفاعلات السريعة عبر شبكات الإنترنيت.
وصارت الإشاعات سلاحا فتاكا يأسر مئات الآلاف , بل الملايين من الناس بسرعة قياسية , وقدرة إمتلاكية إستعبادية تسخيرية غير مسبوقة , إذ يمكن تدمير مجتمعات وإحتلال أوطان بأسلحة الإشاعات ذات التدمير الشامل والكامل.
ومشكلة الإشاعات أنها ما أن تتكرر حتى تتحول إلى حقائق صادقة لا يمكن زعزعتها أو تفنيدنها , وفي عصرنا يتحقق التكرار بسرعة فائقة عبر شبكات التواصل , حتى تحولت الأكاذيب برمتها إلى أدلة صادقة وبراهين ثابتة لا غبار عليها.
ومن المعلوم أن الإشاعات تخاطب العواطف والإنفعالات , خصوصا في فترات القلق والإضطرابات والتحديات والتهديدات , التي تشحن البشر بالهلع والتوجس وتجعله متلقيا سهلا لأية مفردة , وهذه تربة خصبة لإنبات أية إشاعة وترسيخها , والبناء عليها وتعميمها وإرتهان الناس بها.
وفي الآونة الأخيرة إنتشرت إشاعات الموت , والتي تناولت شخصيات بارزة ورموز لها قيمتها التأريخية والوطنية والنضالية , وما أن تكتب عنها حتى يتبين أن الخبر كان إشاعة.
ترى لماذا إشاعات الموت في هذا الوقت؟!
هل للتعتيم على أحداث وتطورات وخطط خفية ومواجهات مصيرية؟ هل لتوجيه الإنتباه نحو حالات بعيدة لإمتلاك حرية التصرف بما يُراد التصرف به؟! أم لقتل روح الرمز في أعماق الوجود العربي؟!
الموت حق , وإشاعات الموت باطل , وسلوك آثم ومشين. فالجميع سيموت , ولكن لماذا تسبق الموت إشاعة الموت؟! هل أنها سلوك سياسي إستخباراتي وأمني يستهدف ما لا يُراد كشفه؟!
قد يكون وراء إشاعات الموت المتلاحقة إعداد لويلات وتداعيات , وتفاعلات تختزن سوءً كبيرا ودمارا شديدا , وكأن ما تخرب وتحطم لا يُرضي جشع المعتدين المتطلعين إلى المزيد ثم المزيد.
ويبدو أن المجتمعات العربية بأسرها محكومة بالإشاعات والأكاذيب والأباطيل والأضاليل , في عصر إمبراطوريات الكذب الفتاك الإقتدار والتدمير.
وأن الإعلام المعاصر ما هو إلا أبواق , وأقلام إشاعات , ومنهج إكذب ثم إكذب حتى يصدق الناس كل كذاب ودجالٍ وأفاكٍ مبين.
وربما يصح القول أن التأريخ المكتوب هو تراكم لإشاعات ترسّخت في وعي الأجيال , وكأن الكذب أصدق المؤرخين!!
|