إن الدم المعروض في الصور الكثيرة هنا وهناك ومنذ أزمنة بعيدة، قد جعل النتيجة المرجوة منه تأتي بصورة عكسية تماما، فقد فقدت عين العالم حساسيتها تجاه الدم من كثرة ما رأته، وأظن أننا نعرف جميعاً أننا نفقد طعم الأشياء حين نتناولها بكثرة، حتى حبيباتنا، نمل منهن بعد فترة إذا التصقن بنا 24 ساعة في اليوم، وهذا حال الدم في الصورة الإعلامية، لقد تحول الدم من قضيّة إلى عدد من ليترات السائل الأحمر، ومعه تحول الشهيد من قصة إلى رقم، مما ساهم كثيرا في تعتيم الصورة الحقيقية لما يحدث على مر الوقت.
شخصياً، لم أشاهد جثة واحدة عرضتها أمريكا لضحايا 11 سبتمبر، ولم أشاهد جثة عرضتها إسرائيل لأحد القتلى أيا كان السبب، لأن هذه الدول التي تملك إعلاماً متقدما، تعرف أن عرض هذه الصور سوف يلغي مخيلة الناس، وسوف يجعل العين والإحساس تعتادان الدم والموت مع الوقت مما يضعف القضية التي تعرض الصور من أجل خدمتها، ويحد المشهد في المرئي لا في المتخيل، لذلك يتحدثون عن المأساة دون أن يبرزوا صورها بالتفصيل، لأنهم يعرفون ما يفعلون.
أظن أن الوعي بالمسألة الإعلامية، ومسألة الصورة على وجه الخصوص، عليه أن يكون أكثر دقة، فقد يخذل الصحفي قضيته من حيث يريد خدمتها، وهذا لا يأتي من عدم محبته وولائه للقضية التي يعمل من أجلها، بل يأتي نتيجة اندفاع عاطفي تفرضه اللحظة.
|