أبناء الرمادي وتكريت في النجف للمشاركة في شعائر محرم *يروج البعض ان الحكومة تمنح اصحاب المواكب مبلغ مقداره 10 ملايين دينار وهذا أمر عار عن الصحة *الدمام والبرزان والجنجانة والمشعل أهم الأدوات التي تستخدم في المواكب الحسينية
اختلفت الاديان والمذاهب والاماكن، لكنها اجتمعت في قلب مفجوع واحد، وقبلة واحدة، تسترق النظر اليها بمقل مضمخة بالدم بدل الدمع، ورؤوس حليقة ايذانا ببدء "طبرها" بالسيوف، وحناجر ما انفكت تصدح بكلمتين "لبيك ياحسين" . نعم هذا هو مشهد ليلة العاشر من محرم الحرام في محافظات العراق كافة، ودول العالم الاسلامي، وفي العراق تحديدا، تختلف المحافظات فيما بينها بالاسلوب والنوعية التي تحيي فيها شعائر ليلة العاشر وتقديم العزاء بذكرى استشهاد ابي الاحرار الامام الحسين "عليه السلام" . "بغداد الاخبارية" زارت محافظة النجف الاشرف، وأحيت مع جموع المؤمنين شعائر ليلة العاشر، وسجلت كل لحظة من لحظات تلك الليلة المؤلمة والحزينة. قبل توجهنا الى مقام الامام علي "عليه السلام" ارتأينا زيارة مرقد سفير الحسين مسلم ابن عقيل"عليه السلام". وعند مدخل مدينة الكوفة حالت الزحامات البشرية ومواكب العزاء دون اكمال طريقنا بواسطة السيارة، فترجلنا منها على مقربة من مسجد السهلة، وبعد نصف ساعة تقريبا من السير على الاقدام، وصلنا الى ضريح الصحابي "ميثم التمار" الذي يبعد حوالي 200م عن مرقد سفير الحسين. لتوقفنا مرة اخرى، وبشكل أعتى من الاولى، الزحامات البشرية والمواكب. هناك لايمكن للمرء ان يكبح جماح دموعه، فصوت الناعي و"الرادود" يحملك الى عالم ملؤه الاسى والفقد، لتتجلى أمامك واقعة الطف الفجيعة، بأوضح صورها. وبعد ان شاطرنا جموع المعزين، البكاء والنحيب. أكملنا طريقنا نحو مرقد مسلم ابن عقيل"عليه السلام" وقبل ان نؤدي مراسيم الزيارة، التقينا بالحاج "ابو رقية الخفاجي" صاحب ومؤسس موكب "ابراهيم الغر" وطلبنا منه ان يحدثنا عن استعداداتهم لهذه الليلة وعن موكبهم. فأجابنا قائلا : (بفضل من الله وبمساعدة ثلة من المؤمنين، أسسنا موكبنا هذا، وذلك في العام 1997، وفي بادئ الامر، كان بشكل خفي، حذرا من بطش النظام السابق، الذي كان يوجه مريديه، لمراقبة أصحاب المواكب، والابلاغ عنهم. وبعد سقوط النظام ظهرنا الى العالم بشكل علني، أما استعداداتنا لهذه الليلة، فنحن نأخذ بالتهيؤ منذ شهر ذو الحجة، وتحديدا بعد عيد الاضحى، اذ نقوم بأحصاء أدوات الموكب، وشراء اخريات جدد، ان ثبت تلف البعض منها، وكذلك تسجيل اسماء من يرغب بالانضمام الى موكبنا، ففي السابق كان شكل العزاء الذي يقدمه الموكب يقتصر على قراءة مقتل الامام الحسين او القاء محاضرة دينية، اما اليوم وبفضل الله، بلغ أعضاء موكب "ابراهيم الغر" حوالي 900. وهذا الرقم قابل للزيادة، وكذلك لم تعد خدمة الموكب او عزاؤه، يقتصر على "التطبير" او لطم الصدور، بل شيدنا على طريق "نجف_كربلاء" حسينية وموكب "ابراهيم الغر" لتقديم انواع الخدمات كالمنام والأكل والدواء لزائري الامام الحسين). ومن ساعدكم في بناء الحسينية..أهي جهات حكومية؟؟ كلا.. فالكل يعلم ان المواكب تقدم خدماتها الى الزائرين، وتحيي شعائر ليلة العاشر وزيارة الاربعين، اعتمادا على الأموال التي تجمعها من تبرعات الزائرين والمواطنين، وتبرعاتنا نحن، وفي السنوات السابقة، أفاد البعض ان اصحاب المواكب، بتسلمهم من الحكومة مبلغ من المال مقداره 10 ملايين دينار، وهذا أمر عار عن الصحة، ولكن لايمكن ان ننسى الاموال التي تمدنا بها العتبة العلوية والمرجعية الدينية. عند مرقد الامام علي"عليه السلام" من مدينة الكوفة، توجهنا الى مرقد الامام علي "عليه السلام" وعند ساحة ثورة العشرين، ترجلنا من السيارة التي اقلتنا، بعد ان قطعت الجهات الامنية الطريق، واكملنا طريقنا مشيا على الاقدام، ونظرا للاختناقات البشرية، استغرق وصولنا الى ضريح الامام قرابة 3ساعات، لمسافة لاتتجاوز 4كم. عند مرقد الامام، احاطت المواكب المعزية، الضريح الطاهر، من خمسة محاور، وهذه المحاور هي شوارع (زين العابدين والصادق والرسول والطوسي وصافي صفا) وتباينت فيما بينها بخاصية العزاء الذي تقدمه، فمنها من جاء لغرض "التطبير" والبعض الاخر لحمل "المشعل" وقرع الطبول والسيوف والنفخ في الابواق. وعن ماهية قرع الطبول في العزاء وحمل السيوف، حدثنا مؤسس موكب ومشعل "مالك الاشتر" الحاج " ابو نصير النجفي" قائلا : (تأسس موكبنا في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان والدي من ساهم بشكل كبير في تأسيسه. وبعد وفاة المؤسسين تسنما امر الموكب نحن الابناء، اما بالنسبة لقرعة الطبول وحمل السيوف، فهي طبول الحرب، التي كانت تقرع في ذلك الوقت، وهي في حقيقة الامر رسالة نبعثها الى العالم اجمع والى الامام المهدي"عج" معلنين فيها نصرتنا للامام الحسين، واستعدادنا التام للثأر من قاتليه، مع الامام المهدي). هل لك ان تخبرنا بأسماء الادوات المستخدمة في المواكب ؟؟ اولا الطبول، نسميها ب"الدمام" اما البوق الذي نستخدم لاطلاق زعيقه غاز المطابخ، فمعروف في محافظة النجف بأسم "برزان" وهناك "الجنجانة" وهي عبارة عن قطعتين دائرتين من الحديد، لكل واحدة منهن عروة خشبية، تمسك بكلتا اليدين وتضرب احداهن بالاخرى. وهناك "المشعل" وهو عبارة عن عدد من الاسطوانات، تثبت على قطعة من الحديد او الخشب، يوضع في كل اسطوانة القطن المتبل بالقير او النفط الخام. اضف الى ذلك فأننا نستخدم الدروع والقلنسوات والاحصنة، في اغلب ايام العزاء. مشاركة ابناء الانبار وصلاح الدين اثناء تجوالنا في شوارع النجف، لفتت انتباهنا، لافتة كتب عليها "موكب اهالي الانبار وصلاح الدين" فدلفنا نحو صاحب الموكب "احمد ياسين ال عيسى" الذي بين انه دؤوب على المشاركة في احياء شعائر ليلة العاشر من محرم، يرافقه في ذلك اقاربه واصدقائه النازحون من محافظات صلاح الدين والانبار، وقال ايضا : (قبل نزوحنا من اماكن سكنانا كنا نعمد الى التوجه الى كربلاء المقدسة لاحياء ليلة العاشر واداء زيارة الاربعين، وبعد الاحداث المأساوية التي عصفت بنا، ومجيئنا الى محافظة النجف، طلبنا من هيئة المواكب، ان تمنحنا ترخيصا لتأسيس موكبنا هذا، ومنذ عام ونصف العام تقريبا، لم ننقطع عن تأدية الخدمات لزائري الامام الحسين، والمشاركة بتقديم العزاء، رغم قلة الموارد المادية). اما رفيقه "عمر محمد دحل" فبين انه لايؤمن بما يشير اليه البعض من تفرقة بين "السنة والشيعة" وانه يمضي على منهج الرسول الذي اوصى بعدم التفرقة بين المؤمنين. وقال ايضا : (انا من المذهب السني، واعتذر ان قلت "سني ام شيعي" لكني اقولها لغرض التوضيح وتبيان اننا شعب واحد، لا نفرق بين هذا وذاك الا بالتقوى. وها انا اذا اشارك اخوتي في الدين، عزاءهم بأستشهاد الامام الحسين"عليه السلام" الذي علمنا كيف نصنع السدود المنيعة امام سيول التفرقة والتهلكة). تجسيد واقعة الطف بعد تأديتنا لاصول زيارة الامام علي "عليه السلام" انبلج صباح يوم العاشر من المحرم، فشرعنا بمغادرة محافظة النجف والعودة الى بغداد، الا ان بعض من اصحاب المواكب، طلبوا منا مرافقتهم الى قضاء الحيرة، لمشاهدة "تشابيه" واقعة الطف. فكان لهم ما ارادوا، وبعد ساعة زمن وصلنا الى قضاء الحيرة، المعروف ب"تشابيهه" الضخمة والدقيقة بكل تفاصيلها، ونظرا للجمهور الكبير الذي حضر لمشاهدة تجسيد واقعة الطف، لم نتمكن من الظفر بمكان يمكننا من مشاهدة سلسة، الامر الذي حتم علينا تسلق سيارة الاطفاء المتوقفة هناك، والجلوس على غطائها الحديدي، حتى انتهاء "التشابيه". لكن تجسيد الواقعة، اوشك ان يتحول في نهايته الى عراك بالايادي و بعد ان اقترب من تقمص شخصية "شمر بن ذي الجوشن" ليحز رأس من تقمص شخصية الامام الحسين "عليه السلام" فهرع الجمهور ومنعوه من تنفيذ ما كان يصبو اليه، وهم يرددون "ياويلي على المظلوم" بعد ليلة من الحزن والبكاء، عدنا الى بغداد، محملين بأمنيات اصحاب المواكب، ان نعود في زيارة الاربعين، لنشاركهم المسير من محافظة النجف الى كربلاء، فلم يكن منا الا ان نوعدهم بالحضور والتوجه معا الى مقام ابي الاحرار "عليه السلام" .
|