تيتانيك تغرق في بغداد

 

 لم تعد الغرائب مُدهشة حد السخْرية ولا العَجائب تلفت الانتباه صّار كل شيء في مجتمع “فنتازي” حالة طبيعية وأكثر من مألوفة: الشواذ فيه قاعدة والثوابت متغيرة والمتغيرات اكتسب طابع الثبات، أما الضمير الإنساني فهو ما أدعو إلى إعادة (ترّميمْه) أو إعادة النظر بخصوصه أو استبداله بـ (خلاط ماء) أو غطاس مكيف هواء !!

 

بعد موّجة رجال الفضاء الذين حلوا ضيوفاً كرماء على سطوّح بغداد إلى جانب “المطيرّجية” وهوّاة الطيور وعشاق المباني الشاهقة، تحل اليوم بنا كارثة الفيضانات وتُفجْع مجتمعاً بأكمله مع صمت حكومي مُريب – أشبه بسكرات الموت أو الغرق – من تقديم الحلول الناجعة والمُستعجْلة ما عدا إقالة علوش واحتمالية عودة عبعوب وربنا نستعين ـ “ملجلج” أو قد نحـتاج لـ (دانبي) لرّصد حالة الجو والتحوّطات الأمنية من تحول المجتمع إلى فاجعة تتوّق لمجلس عزاء بحجم الوطن!!

 

لقد أصبحت الحياة هنا بائسة ومُتعبة حد الضجر والكآبة ولم تعد هناك مساحة فارغة في خلجاتنا لملل جديد فحينما يَهمُ بعضنا في الخروج إلى العمل أو مراجعة أحد الدوائر الحكومية كان جُل تفكيرنا هو أي وسيلة نقل سنختار هل نستأجر قارب أو “يخْت” بدّل من سيارة “التاكسي” فالمياه لم تترك شارعاً مُعبداً إلا بالطمي والوحول والسيول الجارفة!!

 

  فما تعيشه بغداد اليوم مأساة بالمعنى الإنساني وكارثة من المعيار الثقيل موّجة أمطار (متواضعة) شلت عمل الحكومة وأربكت قراراتها لدرجة أنها خيرت الموظفين بالدوام من عدمه – طبعا لا سيكلف نفسه للذهاب للعمل فمناسبة يوم المطر مقدسة !! – عشرة أيام دوائر رسمية مُعطّلة بالكامل امام عجز الحكومة من تلافي الأزمات ومن ثم تتساءل الناس عن العمل والانجاز والنهوض بالواقع المحلي، ويقول لك أحدهم لماذا التقشف، .. ولماذا الفساد .. ولماذا السرّقات .. لا توجد هناك دولة بالعالم على مرّ التاريخ حتى في زمن كُليب وجساس أنْ يتّعطل الدوام لعشرة أيام متتالية … ولا أدري كم ستتعطل الحياة في بغداد ونحن مُقبلون على “منخفض جوي” وتوقعات بموّجة أمطار غزيرة أخشى أنْ يُعلق الدوام لأشهر مُقبلة خصوصاً ونحن نعيش اليوم في “منخفض خُلقي” منذ أعوام تلت!!

 

أنْ طفح المجاري وغرق الأنفاق وطمْي البيوت ليس مجرد حبر على ورق أو رواية أسردها لكم عن قصة سوريالية فتيتانيك اليوم تغرّق في بغداد .. والبحارة العرب مدعوون اليوم لاكتشاف المُحْار واللؤلؤ في بطن الأنفاق والكنْب العملاقة وادعو الصيادين والغواصين للتوّجه إلى بغداد لاصطياد الأسماك النادرة والكواسج والحيتان في جولة نهرية مُمتعة لكن شرط ألا ينسوا أنْ يجلبوا معهم مزيداً من الأقنعة الاصطناعية لفرز الأوكسجين المُذاب .. فالوطن يعاني من ضيق في التنفس والإرهاب يصادر منا أوكسجين الحياة !!