هل غدا جيش داعش مضاهياً جيش النازي؟

 

يعلم جيّدو الإطّلاع على تفاصيل وقائع الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ  (1945 أن جيش ألمانيا النازية بلغ ذروته من الجبروت والصلابة في الغزو والثبات والعزم في عام 1943  لكنّ انهماك ألمانيا في حروبها التوسّعية شرقًا: روسيا، أوربا الشرقية ، البلقان، شمال أفريقيا بعد غزوها فرنسا وبلجيكا وهولندة وأسكندنافيا، وضرباتها الجوية على بريطانيا ومحاصرتها بحريًأ قد أضعف الجيش النازي تدريجًا، حتى أدّى ضعفه إلى خسرانها  الحرب وغزوها  في عقر دارها واستسلامها في أواخر نيسان .1945 وفي ما يأتي سطور من مذكرات تشرشل تكشف بوضوح عن بداية التعاون والتنسيق بين الروس والبريطانيين في مجال مجابهة الخطر الجسيم الداهم، الذي واجه الغرب الأوربي والوسط والشرق الأوربيين  والعمق الروسي الآسيوي في تموز 1941 من جرّاء توسّع الرقعة التي إحتلّها الجيش النازي، إذ قال:  في  7 تموز 1941 وجّهتُ رسالة إلى ستالين، أخبرتهُ فيها عن عزمنا على تقديم مساعدة ممكنة إلى الشعب الروسي، وقد جاءني الرد في التاسع عشر من تموز، يقول فيه ” …..إن موقف القوات السوفياتية في الجبهة لا يزال حرِجًا، لكنه يبدو لي أن وضع الإتحاد السوفياتي وكذلك وضع بريطانيا العظمى سيتحسّنان إلى حد كبير إذا تمكنّا من إقامة جبهتنا ضد هتلر في الغرب وفي شمال فرنسا، وفي الشمال في المحيط القطبي الشمالي. ولا شك أن فتح جبهة جديدة  شمالي فرنسا سيؤدّي إلى تحويل قوات هتلر من الشرق، كما يجعل من عملية غزو بريطانيا العظمى أمرًا مستحيلاَ. ومع علمي الأكيد بمصاعب ذلك ، فأنا واثق من ضرورة تحقيقه لأجل قضيتنا المشتركة ومن أجل بريطانيا أيضًا .”  (المذكرات ج2  ـ ص 6 ـ .(7

     كان هذا التقارب الروسي ـ البريطاني المُذهِل حينئذٍ، الذي انطوى على تبادل الآراء والمقترحات والتعاون ومساعدة روسيا في تزويدها ببعض المواد الضرورية من أمريكا وبريطانيا، عن طريق البصرة ـ شمال إيران المتاخم لحدود روسيا، عاملاً قويٍا في التئام الأطراف الأربعة في عام1943   : روسيا ـ أمريكا ـ إنكلترا ـ فرتسا الحرّة بقيادة الجنرال ديغول، لقيام التحالف الرباعي لدحر الجيش النازي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من الحرب 1943 ـ 1945 وخلال عمليات شمال أفريقيا وعمليات إنزال بحري ـ برّي على الساحل النورماندي من شمال فرنسا، ثم الزحف على دولة الرايخ النازي من الشرق بجحافل  وطيران روسيا، ومن الغرب بجحافل وطيران ذات قيادة موحّدة (الجنرال آيزنهاور) من الدوَل الثلاث.  ممّا أسلفتُ يتبيّن بجلاء أن التحالف الرباعي قد دحر الجيش الألماني النازي خلال ثلاثة أعوام (1943 ـ (1945 في حرب برية وجوية وبحرية بلا هوادة أو أسترخاء أو تلكّؤ، مع العلم أن الرقعة التي كانت مُحتلّة من قِبل ألمانيا في معظم الأقطار  الأوربية، وفي شطر من شمال أفريقيا قد حُرّرت كاملة من قبضة الجيش النازي، وكانت شاسعة جدًا.

      في هذا الصدد يجدر القول: إن الفضل في هذه الغَلَبة على الجيش النازي الجموح الضاري يعود إلى صِدق وتوحّد الإرادة لدى دُوَل التحالف الرباعي في دحر الجيش الألماني الهتلري؛ كما من المناسب أن نقارن هذه العملية الحربية الضخمة قبل سبعة عقود مع عملية التحالف الأمريكي ـ الأوربي ـ العربي (!) بقيادة أمريكا من خلال رئيسها أوباما، التي أستُهِلّت بعد الإعلان عنها في آب 2014  لضرب  جيش داعش ضربات جوية من قِبل دول التحالف المزعوم أو الركيك، ولقطع الموارد المالية عنه، ومصادر التسليح، ، مع أن حجم ومقدرة جيش داعش حاليًا لا تعادل 1)) من ترليون من الجيش النازي، ورقعة داعش في العراق وسوريا  لا تعادل (1) من مليون من الرقعة ألتي  إحتلها جـــــيش المانيا في1943 !

      أمّا النتائج، فالمقارنة الحيادية تُسفر عن البون الشاسع في الحصيلة التي حققها التحالف  الحديث والحالي منذ آب 2014  برئاسة أمريكا، وبين التي حققها التحالف الرباعي الجاد العزوم قبل سبعة عقود، بل الحقيقة تُبدي أيضًا أن جيش داعش قد ازداد انتشاره وتمركزه ونفوذه، وتفاقم أذاه وشرّه في عام  2015 عمّا كان كل ذلك الســـــــــــــــــوء في عام . 2014  وهذا الفشل الذريع يؤيدّه كل المحللين العسكريين والسياسيين والإعلاميين الأمناء والموضوعيين في تحليلاتهم وتعليلاتهم حتى في أمريكا نفسها، ساسةً ومراقبين، إلا من كان الكذب حِرفتهم، والطمع في الكراسي والسلطة والباطل معبودَهم بدلاً من رب السموات والأرض والعدل ـ وما أكثرهم ! وألأحق بـ “الفشل ” أن يُعرّف بكونه “إفشالاً ” مقصودًا لغايات خبيثة، لكنها مفضوحة، يسجّلها التاريخ المعاصر بوصمة كبرى على صفحة أمريكا ورئيسها الحالي  وعلى صفحات من والاها  وآزرها في أوربا والأنظمة العربية الخنوعة، بضمنها من برز الإرهابيون من تحت معطفها.

      منذ البدء، قبل وبعد تشكيل التحالف المزيّف برئاسة أمريكا، إدّعى أوباما ومن حوله من أركان حربه، أن القضاء على الإرهاب وداعش يقتضي أعوامًا من  4 إلى  ! 7 فقال كثيرون وبينهم أناس عاديون، موجّهين كلامهم إلى أمريكا وحلفائها بالأمس واليوم : ” حين غزوتم  العراق في عام  2003قصمنم  ظهر الجيش العراقي القوي في 20 يومًا، فهل جيش داعش الصغير الضعيف صار أقوى وأكبر من الجيش العراقي آنئذِ ، حتى تطلبون الآن أعوامًا ؟!  أذاعت  وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في الإسبوع الأول من بدء تنفيذ الضربات الجوية على قوات داعش في العراق وسوريا، أن طائرات أمريكية وسعودية واماراتية وأردنية وبريطانية وفرنسية أوقعت ضربات جوية فاعلة على مواقع داعش في القطرين، وفي أثناء ذلك وبعده أعربت أمريكا عن رغبتها في انضمام إيران إلى هذا التحالف الدولي في آب .2014 لكن مع مرور الشهور لوحظ فتور محسوس في عمليات وفاعلية الضربات الأمريكية، وندرة الضربات من بريطانيا وفرنسا وكندا ، وانعدامها من الدول العربية ! كما تبيّن لاحقًا أن الطيران الأمريكي يرفد داعش بإلقاء الأعتدة والأسلحة على خطوط داعش الخلفية ليلاً ونهارًا بشكل إستطاع فيه أفراد من القطعات العسكرية العراقية، وأفراد مدنيون من مشاهدة المظلات التي تلقي تلك المساعدات من الطائرات (إستنادًا إلى ورود هذه المعلومات المرئية في بعض الصحف العراقية، وان هذه الطائرات لم تكن إلا أمريكية). فضلاً على ذلك، وعلى سبيل المثال، كانت منطقة (بيجي) ميدانًا لعمليات كرّ وفرّ عديدة حتى الآن بين الجانبين العراقي والداعشي، ناهزت عشر مرات في الأقل. وتفيد المعلومات في هذا المجال أن قوات داعش تتلقّى توجيهات بالكرّ والفرّ من امريكا جوًا بفضل  استعانة أمريكا برصد حركلت ومواقع الطرفين عِبرَ الأقمار الصناعية؛ وواضح أن الغاية من هذا الكر والفر هي إعاقة حصول العراق على نصر حاسم  في هذا الموقع أو ذاك بقصد إطالة أمد القتال لأغراض أنانية ومخططات نفعية. وإذا كان هذا قد جرى ويجري حتى كتابة هذه السطور (14  تشرين 1) فلماذا لا يجري نظيره في الأنبار ومواقع أخرى في العراق وسوريا؟! وقبل أيام أذيع أن خطة أوباما في ضرب داعش جوًا في سوريا والعراق في آنٍ معًا كانت خاطئة، وأنه سيصحح هذا الخطأ بتكريس الجهد لضربات داعش في العراق فقط من الآن فصاعدًا !

     هنا ينبادر إلى الذهن تساؤل مهم: لماذا تروم أمريكا إطالة أمد الحرب على داعش لتبرير إدّعائها باستئصاله؟ وهل هي صادقة في قولتها؟ جوابي هو جواب كثيرين غيري من حَسَني الإطّلاع على الأمور والغايات، أفصَحوا أو أضمَروا، وباختصار: لمّا كان داعش صنيعة أمريكا أولاً وأساسًا، والغاية من صُنعه هي إنجاز مخطط الشرق الأوسط الجديد الكافر الجهنمي، المنطوي على تمزيق وتقسيم الأقطار العربية، ليغدو الشرق الأوسط مشتملاً على  80 كيانًا بدلاً من  50 حاليًا، فلا مناصَ لها (تبعًا لمؤهلاتها وسابق تجاربها في هذا الميدان)من إشعال حروب (الربيع العربي) الإجرامي الشنيع في العراق فتونس فليبيا فسوريا وغيرها من أقطار عربية في المستقبل من خلال إسقاط أنظمة حكم هذه الأقطار( التي أسهمت امريكا في تنصيب معظم رؤسائها) باستخدام إرهابيي داعش وأمثالهم الخارجين من عباءة الوهابية السعودية، لإشعال الحروب الداخلبة في تلك الأقطار العربية منذ  1991 فعام   2003 وما تلاه ويحدث الآن وسيحدث قريبُا. وإسقاط أنظمة هذه الأقطار بهذه الحروب الداخلية يستغرق وقتًا طويلاً لإكمال التخريب والهدم والسفك والحرق والإبادة والإغتصاب والتهجير في جميع الأقطارالمذكورة حاليًا والتي تلي. حصيلة جهودأمريكا الشرّيرة ـ لإنجاز هذه الأفعال الجرمية ـ ستعمل على تكوبن (هديّة) فريدة يقدّمها الغرب الأمريكي ومعظم دول الغرب الأوربي إلى الكيان ” التنّيني ” الرابض بجانب الجامع الأقصى وكنيسة المهد ومثوى الخليل، لأن الغرب الأمريكي والأوربي، الشَرِه والمطاوِع لمشيئة المفسدين في الأرض، قد أقسم يمين الولاء والخدمة المجّانية والحماية والطاعة  ” للتنّين” الرابض المطمئن والمسرور بما يجري حوله من مآسٍ ومجازر وحرائق في العراق وسوريا وليبيا وتونس وغيرها، وهو ربّما، بعد إنجاز مخطط محرقة الشرق الأوسط  الكبرى، سيهب أشطرًا من هديته الكبرى إلى الغرب الأمريكي والأوربي، عرفانًا بالجميل الذي أُسديَ إليه على حساب دماء خلائق الشرق الأوسط، ورماد أجسادهم، وخراب بيوتهم وانتزاع أراضيهم، فإذلالهم على ترابهم، واندثار تراثهم.

  فما أسوأ خنوعَكم ، يا شعوبَ الشرق الأوسط ، لإرادة منفّذي هذا المخطط  الإجرامي!  وما أذلّ رضوخَكم ،

يا رؤساءَ الشرق الأوسط ، لِما يدور حولكم من مظالم ومآسٍ تُبكي، ومهازل تُضحِك !          إنْ لبِثتم هكذا شُدهًا

 جامدين كالخيول الصافِنات، بلا تمرّدٍ ورفضٍ ووثوب، فأنتم لا تستحقّون الحياة.               أشقى بني الدنيا ـ وعيشِكَ ـ  امة

 لَقِيَت بلايا العيشِ  من   رؤسائها.