قبل الإعلان عن سلم رواتب موظفي الدولة الجديد كانت التسريبات قد بدأت بشكل مقصود او ربما غير مقصود عن هذا الجدول العتيد والإصلاحات القادمة والتخفيضات الكبيرة التي ستشمل رواتب اصحاب (الدرجات العليا). تفاءل الناس كثيرا واستبشروا خيرا لأن الدرجات العليا هي المستهدفة في الاصلاحات والإجراءات التقشفية. غير أن المفاجئة كانت عند الإعلان عن سلم الرواتب الجديد لتفاجأ الناس بان (الدرجات العليا) كانت تعني الموظفين العاديين على سلم الرواتب مما اثار السخط والتذمر لدى قطاعات واسعة من موظفي الدولة . وتعزى المفاجئة هذه وهذا السخط والتذمر إلى أن معنى ومفهوم (الدرجات العليا) قد جرى استخدامه في غير محله، ذلك أن واقع معنى ومفهوم ( الدرجات العليا) شيء والموقع والهدف الذي استخدمت فيه شيء آخر. يقول اصحاب الرأي والاختصاص القانوني والإداري ان (الدرجات العليا) تعني على وجه التخصيص والتحديد اصحاب الدرجات العليا في ادارة الدولة اي اصحاب المواقع والدرجات والمناصب والمسؤوليات العليا في الدولة وهي تشمل رئيس الجمهورية ونواب رئيس الجمهورية ومكاتب رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء ومكاتب رئاسة الوزراء والوزراء ومن هم بدرجتهم ووكلاء الوزراء ومن هم بدرجتهم والمستشارين والدرجات الخاصة والأمانة العامة لرئاسة الوزراء ورئيس مجلس النواب ونواب رئيس مجلس النواب والنواب السابقين واللاحقين وامانة ودوائر ومكاتب مجلس النواب وأعضاء مجالس المحافظات والمحافظين. هذه هي الدرجات العليا لأصحاب المناصب العليا، اما من استهدفهم تخفيض الرواتب في سلم الرواتب الجديد تحت عنوان (الدرجات العليا) فليسوا في الواقع درجات عليا في الدولة. هؤلاء موظفين دخلوا الخدمة في الدولة العراقية منذ عشرات السنين على اساس الاستحقاقات الإدارية والمهنية وتقدموا في عناوينهم المهنية ودرجاتهم الوظيفة وفق جدول السلم الوظيفي بعد عشرات السنين حتى بلغ البعض منهم الدرجة الأولى والثانية والثالثة وغيرها من الدرجات الوظيفية، ولذلك فان الدرجات العليا ليس هؤلاء الذين تدرجوا في سنوات طويلة وبعد جهود ومعاناة كبيرة على جدول السلم الوظيفي للدولة العراقية وإنما أولئك الذين يتبوؤون المناصب العليا في الدولة العراقية والذين لم يتدرجوا في مواقع وظيفية أو سلم رواتب سواء القديم منه أو الجديد وانما قفزوا دفعة واحدة لاعتبارات سياسية او طائفية أو حزبية او مناطقية أو عائلية حتى أن البعض منهم لم يسبق له أن خدم ليوم واحد في الدولة العراقية. لا شك في أن الدولة العراقية تعاني من ضائقة مالية خطيرة خاصة بعد انخفاض اسعار النفط وتراجع عائدات العراق المالية. وتحتاج الدولة الى معالجة هذه الازمة بكل حزم وجدية ومهنية وبصورة جذرية، وبدون هذه المعالجات الحقيقية قد نكون في دائرة الخطر عما قريب. وتحتاج الدولة اولا وقبل كل شيء الى معالجة الفساد ومصادره ذلك ان هذا الفساد الذي تعددت اشكاله والوانه ومسمياته هو الافة التي تأكل أموال الدولة وتستنزف مواردها. هو الفساد في النهب والاختلاس وتهريب موارد الدولة وتبيض الأموال ونفقات ورواتب مؤسسات الدولة العليا ومناصبها ودرجاتها العليا وهذا ما يحتاج الى مشروع شامل وكبير فيه الكثير من الإرادة والجرأة والشجاعة والتضحية. اما هؤلاء الموظفين على جدول سلم الرواتب فليسوا من اصحاب الدرجات العليا ومناصبها وليسوا من اسباب الازمة المالية أو مصادرها وليسوا أيضا طرفا في هدر اموال الدولة ومواردها فلماذا يحرقون إذا بنار الفساد الذي يتنعم (بجنته) غيرهم؟
|