مت قاعداً

 

لم اندم على شيء في حياتي كندمي على كوني سأموت متقاعدا من وظيفة أذاقتني  حلاوتها وتسقيني في نهاية المطاف ابلغ مرارتها .

 

التقاعد ليس صفة شخصية لي بل هو عنوان لشرائح طويلة عريضة  ممن افنوا زهرة شبابهم في خدمة بلدهم ، وإذا في نهاية المطاف يعيشون بحسرة وعوز ومجاعة ومرض ، ولأبلغ ما يقابلونه من ازدراء أم عدم مبالاة من هذا وذاك .

 

المتقــــــاعد في بلدي ( العــــراق ) مسلوب الحقوق ، راتبه في آخر سلالم الوظيفة .

 

 والمتقاعد في وطني لا احد يمد له يدا عند مراجعته لهذه الدائرة أو تلك الوزارة  ، ودائرته المنسوب إليها لا تعبا بمعاناته ، فهذا الموظف الشاب لا يحترم شيبته ولا وضعه الصحي ، اذهب إلى الشباك الفلاني ، فإذا ذهب يفاجأ بموظفة عطرها يفوح في جميع أرجاء المكان  فتقول له بصوت قبيح  ليس هنا ، وإنما هناك ، في الطابق رقم .. ويبقى المتقاعد متوكئا على عصاه صاعدا نازلا تائها بين طوابق وغرف الدائرة التي قصدها ولا يزال يبحث عمن يرشده .

 

المتقاعد في بلدي  ( بلد النفط والخيرات والثروات والمليارات ) لا ينال علاجا مجانيا .

 

المتقاعد في وطني لا احد يستفيد من خبرته الطويلة .

 

المتقاعد في العراق يستجدي من يساعده .

 

المتقاعد في بلدي يتقاضى أدنى المرتبات التي لا تساوي ولا تطاول رواتب أعضاء المجالس المحلية ولا رواتب مجالس النواب .

 

قانون التقاعد في بلدي يسمى القانون الموحد ، ولكنه ليس موحدا حقيقة ، معلم تقاعد حسب القانون القديم دنانير .

 

متقاعد تقاعد وفق القانون الجديد ملايين .

 

شباب توظفوا على ملاك الرئاسات رواتبهم  ملايين .

 

مدراء بلا خبرة رواتبهم ملايين .

 

عمال النفط رواتبهم أضعاف أضعاف متقاعدي التعليم ، وكان متقاعدي التعليم لا حصة لهم في النفط .

 

خريجو المعاهد النفطية الشباب رواتبهم أعلى من أساتذة الجامعات ، أما إذا قيس راتب المتقاعد برواتب النواب والمستشارين والدرجات الخاصة فستهتز الأرض هلعا من الفوارق مابين هذا وذاك .

 

لهذا كله كنت أرجو إلا يحين أجلى وأنا متقاعد انتظر صرف البطاقة الذكية كما ينتظر الحبيب حبيبته .

 

وليرحمك الله أيهـــــــا المواطــــن العزيز حين تمــــوت متقاعدا .